أصغر من المتوقع: اكتشافات جديدة حول أولى نجوم الكون
لطالما افترض علماء الفلك أن النجوم الأولى التي تشكلت في الكون، من جراء عنصري الهيدروجين والهيليوم بعد الانفجار العظيم، كانت عملاقة بكتل تفوق مئات أو آلاف أضعاف كتلة الشمس، وقد استند هذا الاعتقاد لعقود إلى فرضية أن السحب الغازية الضخمة فقط تستطيع الانهيار لتشكل النجوم في تلك الحقبة المبكرة من الكون، ومع ذلك، جاءت دراسات حديثة نشرت في مجلتي Astrophysical Journal Letters وAstronomy & Astrophysics لتغير هذه الصورة تماماً، حيث أشارت إلى أن بعض النجوم الأولى ربما كانت أصغر بكثير مما كان يُعتقد، ولذلك فإن كتلها قد تكون قريبة من كتلة الشمس أو تتجاوزها بعدة مرات فقط.
أجرى عالم الفلك كي-جونج تشين وفريقه محاكاة للسحب الغازية البدائية، ووجدوا أن الاضطرابات فوق الصوتية قد تؤدي إلى تفكيك السحب إلى كتل أصغر بكثير، تدل نتائج هذا الفريق على إمكانية ولادة نجوم بكتل تتراوح بين واحد وأربعين ضعف كتلة الشمس، مما يعني أن النجوم الصغيرة قد كانت موجودة بالفعل جنبًا إلى جنب مع العمالقة في الجيل الأول من النجوم.
على جانب آخر، أقام فلوريان غروسيه وفريقه دراسة معملية كشفت أن جزيئات أيونات هيدريد الهيليوم (HeH⁺) — وهي من أولى الجزيئات التي تشكلت في الكون — كانت أكثر وفرة مما كان متوقعاً، حيث يمكن لتلك الجزيئات أن تصدر فوتونات تحت الحمراء خلال تفاعلها مع الهيدروجين، بما في ذلك نظيره الديوتيريوم، وهذا التفاعل يؤدي إلى تبريد الغاز من خلال فقدان الطاقة الحرارية، مما يعزز إمكانية انهيار السحب الصغيرة وتشكيل نجوم منخفضة الكتلة.
تقدم هذه النتائج منظوراً جديداً عن نشأة الكون، حيث يبدو أن الجيل الأول من النجوم لم يكن مقتصراً على العمالقة، بل من الممكن أن تكون شمس صغيرة أو متوسطة الكتلة قد وجدت في تلك الفترات أيضاً، ويبدو أن هذا الاكتشاف يفتح آفاقاً جديدة لفهم التطور الكوني المبكر، بما في ذلك كيفية تشكيل المجرات الأولى ودور تلك النجوم الأصغر في تصنيع العناصر الثقيلة الضرورية للحياة.