استراتيجيات جديدة لتعزيز الازدهار في الشرق الأوسط

تحويل الشرق الأوسط إلى نموذج متقدم للازدهار
في حديث سابق، أعرب ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، عن رؤية المملكة العربية السعودية في تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى ما يشبه «أوروبا جديدة». كان الهدف من هذا التصريح هو تسليط الضوء على العلاقة التي تتبناها المملكة مع جوارها، وإعادة صياغة مفهومي الأمن والازدهار في سياق ينسجم مع التحولات المحلية والدولية. خلال مسيرتها نحو التحول الداخلي، التي تتمحور حول تنويع الاقتصاد وتنمية الموارد البشرية، اختارت المملكة أيضًا توجيه اهتمامها إلى محيطها العربي بطريقة جديدة، ترتكز على الاستثمار ورؤوس الأموال بدلاً من المساعدات والهبات.
المساعي نحو التكامل الإقليمي
تدرك القيادة السعودية اليوم أن الحدود لم تعد تعزل الأزمات، بل أصبحت وسائل لنقلها. الانهيارات الأمنية في الجوار تؤدي إلى تداعيات متعددة كالهجرة غير الشرعية ونشاط شبكات التهريب، مما يهدد استقرار الطرق التجارية والإمدادات. لكن رؤية المملكة تتجاوز مجرد التعامل مع المخاطر الأمنية، فهي تتبنى نهجًا اقتصاديًا طموحًا يتطلع إلى التكامل داخل منظومة إقليمية. تتجسد هذه المشاريع في البنية التحتية مثل الربط الكهربائي، الاستثمار في الموانئ، وتعزيز التجارة مع الدول المجاورة، مما ينمي العلاقات ويعزز الأهداف المشتركة.
كما تشير الدراسات الاقتصادية إلى أن التكامل الإقليمي يمكن أن يُسهم في رفع الناتج الإجمالي للدول بمعدلات تصل إلى 13%، مما يخلق فرص عمل جديدة ويعزز الاستقرار. هذا التحول الكبير في الرؤية السعودية يعكس ضرورة الانتقال من مفهوم المساعدات الخيرية إلى مفهوم الشراكات الاستراتيجية، حيث تعمل المملكة كشريك فعال بدلًا من مجرد مانح.
في مجال الفكر الفلسفي، تتجاوب هذه الرؤية مع أفكار المفكرين مثل «جون رولز» و«أمارتيا سن» الذين يركزون على أهمية المسئولية الدولية والدور الحيوي للتنمية البشرية في الدعائم السياسية. هذا التوجه نحو «الجوار المزدهر» يدفع المملكة لتكون نموذجًا تنمويًا متماسكًا وقادرًا على تجاوز التحديات وتقليل الفجوات بين الدول.
كما أن التاريخ يعكس نجاحات سابقة لدول مثل الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، التي أطلقت «خطة مارشال» لتحفيز اقتصادات مدمرة، أو الصين التي تستثمر في مبادرة «الحزام والطريق» لتعزيز وجودها الاستراتيجي. تناقض هذه التجارب مع فلسفة النماذج التكتلية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي، الذي يؤكد أن الاقتصاد يمكن أن يكون وسيلة للسلام بدلاً من أن يكون مادة للصراع.
تشهد السعودية اليوم خطوات ملموسة لبناء نموذج عربي مبتكر في القيادة الإقليمية، حيث لا تسعى لفرض هيمنتها بل لخلق شراكات استراتيجية متينة تعود بالنفع على الجميع. تتجلى رؤية المملكة في كيفية تعزيز الازدهار وتنمية المجتمعات المجاورة بشكل متبادل، مما يتيح الفرصة للانتقال من سياق البقاء إلى سياق التعاون والازدهار، وذلك بفضل الإرادة والرؤية الطموحة التي تقودها المملكة.
تعليقات