
تعاون استراتيجي في الفضاء
تتميز العلاقات بين دولة الإمارات وروسيا الاتحادية بالتعاون المثمر في مختلف المجالات، حيث يحتل قطاع الفضاء مكانة بارزة في هذه الشراكة، نظراً لأهميته الاستراتيجية التي تعكس تطلعات البلدين في مجال الابتكار والتقدم العلمي.
شراكة علمية متقدمة
استفادت الإمارات من الخبرات الروسية الواسعة في مجال الفضاء، بدءاً من تدريب رواد الفضاء وصولاً إلى تطوير المشاريع الفضائية، مما أتاح لها تحقيق إنجازات نوعية في فترة زمنية وجيزة، ضمن رؤية طموحة تعزز مكانتها كقوة صاعدة في هذا المجال على الصعيدين الإقليمي والدولي.
بدأت مسيرة التعاون في الفضاء بين البلدين منذ أكثر من عشر سنوات، حيث تم تنظيم اجتماعات تنسيقية كثيفة بين وكالة الإمارات للفضاء و«روسكوسموس» الروسية، مما أسفر عن توقيع مذكرة تفاهم وضعت الأسس لتعاون مستدام. وتُعد هذه المذكرة أساساً لمرحلة جديدة في التعاون، مع توقيع اتفاقية تاريخية أفضت إلى إرسال أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية ضمن بعثة علمية مع الجانب الروسي.
تم اختيار روسيا كشريك استراتيجي لهذا المشروع بفضل إرثها العلمي والتقني، مما منح الإمارات فرصة كبيرة للاستفادة من هذه القدرات. ونتج عن هذا التعاون وصول أول رائد فضاء إماراتي إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة فضاء روسية.
قبل بدء مهمتيهما، حصل رائدا الفضاء الإماراتيان هزاع المنصوري وسلطان النيادي على تدريبات مكثفة في مركز «يوري جاجارين» في موسكو في سبتمبر 2018، حيث أتاحت لهما الاستعداد بشكل جيد قبل الانطلاق إلى محطة الفضاء الدولية. وقد كانت رحلة المنصوري عام 2019 نقطة تحول، حيث أصبح أول رائد فضاء عربي يصل إلى المحطة، بعد تنفيذ تجربة علمية مهمة ضمن مشروع مشترك.
تبعتها مهمة سلطان النيادي في عام 2023، التي كانت الأطول في تاريخ العرب، حيث شارك في مجموعة كبيرة من التجارب العلمية وسجل أول مهمة عربية للسير في الفضاء، مما عزز من مكانة الإمارات على الخارطة الفضائية العالمية.
كما شهد عام 2022 تنفيذ «المهمة رقم واحد» ضمن مشروع الإمارات لمحاكاة الفضاء، حيث نجح صالح العامري في إتمام تجربة عزل لمدة ثمانية أشهر، في ظروف تحاكي الكوكب الأحمر. وكان الهدف من ذلك هو دراسة تأثير العزلة على الإنسان وتجميع البيانات لرحلات مستقبلية نحو المريخ.
أيضاً، وقعت الإمارات وروسيا اتفاقية حكومية حديثة لتعزيز الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي، مما يعكس التزامهما بتطوير برامج مشتركة تشمل أبحاثاً علمية وتقنيات متقدمة، ويعزز من مكانة الإمارات كشريك موثوق في الساحة الدولية.
تؤكد هذه الشراكة على الزخم المتواصل بين الإمارات وروسيا في استكشاف الفضاء، حيث أنه لا يقتصر على التعاون العلمي والتقني، بل يشكل أيضاً التزاماً مشتركاً لتحسين حياة البشرية وبناء مستقبل أفضل للأجيال المقبلة.
عبر هذا التعاون، يثبت البلدان قدرة الابتكار والتقدم العلمي على تحقيق إنجازات تطور العالم وتساهم في بنائه بطريقة أكثر تكاملاً.