
جيل جديد من الإصدارات الرقمية
عندما كان القرص المضغوط المعروف بـ«سي دي» يشكل قفزة نوعية في مجال التسجيل والاستماع والمشاهدة، أتذكر سلسلة رائعة من تلك الأقراص التي أصدرتها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث قبل خمسة عشر عاماً. احتوت هذه السلسلة على نفائس من كتب التاريخ والأدب والفنون والفكر، من أبرزها سلسلة «مختارات من شعر أبي الطيب المتنبّي» التي تضمّنت 14 جزءاً، والتي أداها الفنان المبدع عبد المجيد مجذوب، الذي أضفى على كلمات المتنبّي حياة جديدة بفضل إتقانه الفائق للغة العربية الفصحى، وبصوته المسرحي الذي أضفى لمسات عاطفية على تلك الأشعار، مدعومةً بتقديم رقيق وعميق من جمانة النونو.
إصدارات ثقافية متميزة
استمرت هيئة أبوظبي في إصدار أعمال بهذا الثراء، مثل: «البخلاء» للجاحظ و«طوق الحمامة» لابن حزم، بالإضافة إلى روائع أدبية عالمية مثل «قصة الحضارة» لويل ديورانت. للأسف، توقف هذا المشروع الثقافي الرائد لأسباب لا أعلمها، حتى قرأت مؤخرًا إعلان مركز أبوظبي للغة العربية عن خطة طموحة لرقمنة إصداراته بالتعاون مع أبرز المنصات الرقمية المعروفة عالميًا.
وفي تفاصيل الخبر، ذُكر أن المركز قد حول مئات العناوين المؤلّفة باللغة العربية أو المترجمة، في مجالات المعرفة المختلفة، إلى صيغ رقمية وصوتية. من بين أحدث الأعمال هناك «الفتى القادم من بغداد» لناظم الزهاوي، والمجموعة القصصية «بيت الحكايات»، و«وما زال الشغف» لعلي عبيد الهاملي، بجانب كتاب «الطيور» لجيرمانو زولو، الذي احتل قوائم الأكثر مبيعاً.
كما أشار الدكتور علي بن تميم، رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، إلى الاستفادة من التجارب السابقة للمدينة، حيث تم التعاون مع كبرى المنصات الرقمية مثل «أمازون» و«غوغل بوك» و«أبل بوك» وغيرها، لتسهيل الوصول إلى مجموعة متنوعة من الكتب. ولكن، الوضع الحالي للقراءة في العالم العربي متدهور، وكان أصلاً بعيدًا عن الصحة الجيدة، قبل أن تشتد التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي.
في أحد المرات، أخبرني أحد مشاهير الدعاة بأنه لا يقرأ الكتب إلا من خلال الملخصات، وأظهر وزير عربي اعتزازًا بأنه لم يقرأ في حياته كتابًا كاملًا! إن القراءة تضيف خبرات ومعارف وتعزز التفكير الإبداعي، وتوفر لك فرصًا جديدة، وتغني لغتك وعاطفتك، بل وتساعدك على اكتشاف المزيد عن نفسك من خلال تجارب الآخرين.
القراءة هي جوهر الحضارة، وفي زمن أصبحت فيه القراءة التقليدية متراجعة، يتعين علينا أن نتوجه لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بما يتناسب مع اهتماماتهم، فذلك ليس مجرد جهد ثقافي، بل هو عمل وقائي من الجهل وتبعاته.