في إطار زيارته الرسمية لمملكة تايلاند، التقى الدكتور نظير محمد عياد، مفتى الجمهورية، ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، بعدد من القادة الدينيين والجاليات المسلمة في المسجد المركزي بمحافظة بتانى بجنوب تايلاند؛ بحضور تاناوات سيريكول، سفير تايلاند لدى القاهرة، والشيخ مأمون سامأ بن داود، ممثل مجلس الإسلام الفطاني، والشيخ عبد الرزاق وانسو، إمام مسجد الفطاني، بالإضافة إلى مجموعة من خريجي الأزهر ومبعوثي الأزهر الشريف في مملكة تايلاند.
تناول اللقاء دور القادة الدينيين في المجتمع وقدرتهم على نشر السلم والسلام والأمان؛ حيث أكد المفتي أن الدين الإسلامي يدعو أتباعه للتعايش مع الآخرين، ويشدد على أهمية التفاعل الإيجابي معهم، انطلاقًا من مبدأ التعارف والبر الذي ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى: {ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}، وأيضًا في قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}، فما ورد في القرآن الكريم يعتبر دعوة للتعارف والتآلف، وليس سببًا للنزاع والخلاف، فهذه الاختلافات من المنظور الإسلامي تعد وسيلة لتعزيز التعاون والاحترام المتبادل.
وأوضح أن القادة الدينيين يتحملون مسؤولية كبيرة في توضيح المواقف الصحيحة للأديان تجاه تعزيز الفهم الصحيح للتعرف والتفاهم بين الثقافات، من خلال إيمانهم برسالتهم وعملهم لتحقيق هذه الرسالة في نفوس الناس، والتركيز على ضرورة أن يكونوا شركاء فعليين في خلق مستقبل يسوده السلام والوئام، ويستند إلى القيم الإنسانية والروحية القوية، مضيفًا أنه يتوجب على القادة الدينيين فهم عميق لمكانتهم واستغلال قدراتهم الكبيرة لبناء السلام وحل النزاعات، لما لهم من تأثير عميق على النفوس، وارتباط وثيق بمجتمعاتهم، مما يضعهم في موقع يمكنهم من توجيه الناس نحو التعايش المشترك والتسامح.
أضاف المفتى أن من أبرز الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها القادة الدينيون هي الوعي بالواقع واعتباره أثناء التوجيه والإرشاد، إذ أن الدين وُجد لهداية الناس وتنظيم شؤون حياتهم وفق مقاصد الشرع ومصالح العباد، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال فهم عميق للزمان والمكان وظروف المجتمع، وبالتالي فإن القادة الدينيين تقع عليهم مسؤولية مهمة في توجيه الناس لتحقيق مقاصد الشريعة التي تعتمد على تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وتنقسم إلى الضروريات والحاجيات والتحسينيات، موضحًا أنه يتعين على القادة مراعاة هذه المراتب عند الإفتاء والإرشاد وصياغة الخطاب الديني، بحيث تحفظ الضرورات الخمس: الدين، النفس، العقل، المنسل، والمال، أولًا، ثم تلبية الحاجيات التي ترفع المشقة، وصولًا إلى تعزيز التحسينيات التي تكمل مكارم الأخلاق.
وأشار إلى ضرورة إدراك طبيعة العلاقة بين الدين وبقية العلوم في تشكيل وعي شامل ومتوازن، حيث إن الدين لا يتعارض مع العلم بل يشجعه ويساعد في الدعوة للتفكر في سنن الكون والحياة، وقد أثبت التاريخ أن الحضارة الإسلامية ازدهرت حينما تناغم الفهم الديني مع التقدم العلمي، حيث كان العلماء يجمعون بين الفقه والطب والفلك والفلسفة وغيرها، مؤكدًا أن التكامل بين الدين والعلوم الإنسانية والطبيعية يسهم في تعزيز فهم الإنسان لواقعه، ويخلّق أفقًا أوسع للخطاب الديني للتعامل مع قضايا العصر دون انغلاق أو تشتت، مع الحفاظ على الثوابت والانفتاح على التجديد.
وأكد المفتى على أهمية احترام ثقافات الشعوب ومعتقداتها وحقوقها، والمحافظة على أراضيها وأموالها وأعراضها وأبنائها، باعتبار ذلك من مقاصد الدين الإلهي، حيث إن هذا الاحترام يساعد على فتح آفاق التعاون بين الأمم؛ فلكل أمة الحق في ثقافتها ونظامها الاجتماعي والسياسي والقيمي الخاص بها، والحوار المستمر بين الثقافات هو ما يضمن تجديدها، ويرسخ قيم التسامح والاحترام المتبادل، والتنوع الثقافي.
وختم المفتى بالتأكيد على أنه لا مخرج لهذا العالم مما يعانيه من أزمات إلا بالاستجابة لصوت قادة الأديان، وتحويل قيم الشرائع من مجرد نظريات إلى تطبيق عملي، فلا أمل للخروج من الأزمات العالمية الراهنة إلا بالإشراق بهدي الدين الإلهي كما أنزله الله تبارك وتعالى، هداية ورحمة للعالمين، وليس كما يتخذه البعض وسيلة لتحقيق مصالح شخصية أو سياسية.