بريطانيا تتصدر الساحة العالمية لتجارة السلع المسروقة

بريطانيا تتصدر الساحة العالمية لتجارة السلع المسروقة

بريطانيا مركز للتهريب الدولي للسلع المسروقة

يكشف تقرير موسع نشرته مجلة إيكونوميست أن بريطانيا أصبحت في صدارة الدول التي تصدر السلع المسروقة إلى الأسواق العالمية، مما يعكس ضعف الرقابة الجمركية وزيادة جاذبية البلاد كحلقة رئيسية في سلاسل التهريب العابرة للحدود.

تزايد عمليات السرقة بشكل مقلق

يرسم التقرير صورة قاتمة لاقتصاد مواز آخذ في التوسع، حيث تُسرق السيارات الفارهة والهواتف الذكية والمعدات الزراعية من شوارع لندن ومزارع الريف البريطاني، ثم تُركب في الحاويات لتغادر الموانئ الكبرى، مثل ميناء فيلكستو الذي يشهد مرور أكثر من 11 ألف حاوية يومياً.

وحسب تقرير إيكونوميست، ارتفع عدد المركبات المسروقة في بريطانيا خلال العقد الأخير بنسبة 75%، ليصل إلى 130 ألف سيارة العام الماضي مقارنة بـ 90 ألف سيارة عام 2020.

تظهر الإحصاءات أن السرقات ارتفعت من 2.7 حادثة لكل ألف سيارة عام 2013 إلى 4.4 حوادث اليوم. هذه الزيادة تأثرت بشكل مباشر على السوق حيث ارتفعت أقساط التأمين على السيارات بنسبة 45%، في حين أن الزيادة في معدل التضخم في الاتحاد الأوروبي لم تتجاوز هذا الرقم.

عمال يتحققون من محتويات الحاويات في ساحة بميناء بريطاني مزدحم
عمال يتحققون من محتويات الحاويات في ساحة بميناء بريطاني مزدحم (غيتي)

أصبحت الهواتف الذكية أيضاً هدفاً ثابتاً للعصابات، حيث جرى تسجيل 70 ألف حالة سرقة في لندن خلال العام الماضي، وهو ما يمثل زيادة تتجاوز الثلث عن العام السابق، مما يجعل بريطانيا تستحوذ على 40% من إجمالي الهواتف المسروقة في أوروبا.

تشير التحريات إلى أن هذه الأجهزة غالباً ما تنتهي بها المطاف في مدينة شينزن الصينية، حيث يتم تفكيكها أو إعادة تركيبها أو بيعها كقطع غيار في سوق الإلكترونيات الأكبر عالمياً.

مسارات ووجهات التهريب

تشير بيانات “خدمة الاستخبارات الوطنية لجرائم المركبات” في بريطانيا إلى أن حوالي 40% من السيارات المسروقة التي تم اعتراضها بين 2021 و2024 كانت متجهة إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي أصبحت نقطة دخول رئيسية إلى أسواق أفريقيا، بينما توجه 20% منها إلى مناطق عربية.

توضح إيكونوميست أن المستهلكين في هذه المناطق يفضلون السيارات الرياضية متعددة الاستخدامات، بينما يتزايد الطلب أيضاً على السيارات الرياضية الفاخرة التي تظهر بشكل لافت في شوارع مدن مثل كينشاسا.

أما المعدات الزراعية، فقد أصبحت هدفاً رئيسياً منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، إذ ارتفعت مطالبات التأمين المتعلقة بسرقة أنظمة تحديد المواقع الزراعية بنسبة 137% في عام 2023 وحده. غالباً ما تجد هذه السلع طريقها إلى روسيا وأوروبا الشرقية، حيث يرتفع الطلب بعد القيود المفروضة على التجارة القانونية.

أسباب تجعل بريطانيا ملتقى للتهريب

المجلة توضح أن بريطانيا تمثل “المكان المثالي” لازدهار هذه الظاهرة، لعدة أسباب، منها وفرة السلع ذات القيمة العالية، سهولة التصدير، وضعف الرقابة على الحاويات، وانخفاض مستوى الردع حيث لا تتجاوز نسبة حل الجرائم 5% وتنخفض في حالات سرقة المركبات إلى 2% فقط.

رجل يفتح مخزنا يضم سيارات كلاسيكية فاخرة
رجل يفتح مخزناً يضم سيارات كلاسيكية فاخرة في مشهد يعكس جاذبية المركبات الفارهة التي تستهدفها شبكات التهريب العالمية (شترستوك)

وأشار التقرير إلى أن شبكات التهريب تعتمد على تكنولوجيا متطورة لاقتحام السيارات وإلى استخدام أجهزة تشويش لتعطيل أنظمة التتبع، إضافة إلى تزوير لوحات الأرقام وهويات المركبات. وغالباً ما يتم إخفاء المركبات ضمن شحنات أخرى أو إدراجها في بيانات مزيفة لتضليل السلطات.

ازدهار تجارة السلع المسروقة

توضح إيكونوميست أن العملية من لحظة السرقة حتى تحميل السيارة في الحاوية قد تستغرق أقل من 24 ساعة، مما يعكس طبيعة هذه التجارة كسلسلة إمداد متكاملة. على سبيل المثال، سيارة “تويوتا هايلوكس” التي يبلغ سعرها الجديد 40 ألف جنيه إسترليني تُباع في أفريقيا بأسعار تفوق قيمتها في بريطانيا، بينما لا يحصل منفذ السرقة إلا على 1500 جنيه إسترليني مقابل العملية، وتحقيق الشبكات الوسيطة أرباحاً مضاعفة عند التصدير.

آدم غيبسون، أحد الضباط المكلفين بمتابعة هذا النوع من الجرائم، قال إن البحث عن سيارة مسروقة وسط آلاف الحاويات يعد أمراً معقداً. هذا التصريح يعكس حجم الثغرات التي تسمح بخروج بضائع مسروقة دون تدقيق يُذكر.

التحديات الأمنية والاقتصادية

ووصف تيم موريس من رابطة الموانئ البريطانية مهمة العثور على هذه البضائع بأنها تشبه “البحث عن إبرة في كومة قش”. وأكد روجيرو سكارتورو من المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة أن هذه العصابات تتعامل مع نشاطها كما لو كان تجارة حديثة، مستخدمة أدوات الاتصال المشفر والتجارة عبر الإنترنت.

بضائع في سوق هواكيانغبي للإلكترونيات بمدينة شينزن
بضائع في سوق هواكيانغبي للإلكترونيات بمدينة شينزن، حيث ينتهي المطاف بكثير من الهواتف المسروقة القادمة من بريطانيا (غيتي)

يشدد التقرير على أن العولمة التي سمحت بتدفق السلع الشرعية تُستغل الآن لإدارة تجارة مظلمة، حيث تزيد الرسوم الجمركية والعقوبات الاقتصادية من تنافسية السلع المسروقة. بعض الدول، مثل الصين، لا تبدي رغبة جدية في الحد من هذه التجارة، مما يسهل إعادة بيع الهواتف المسروقة.

تشير المجلة إلى أن تجارة السلع المسروقة أصبحت جزءًا من الاقتصاد العالمي غير الرسمي، مستفيدة من الثغرات في الرقابة وتفاوت مستويات الطلب بين الشمال والجنوب. ومع ضعف أجهزة الشرطة الأوروبية وغياب الحافز لدى الدول المستقبلة، تبقى هذه التجارة مزدهرة، حيث تحولت بريطانيا من كونها ضحية للجريمة العابرة للحدود إلى مصدر رئيسي لها.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *