
في عصر يتسارع فيه التطور التقني وتتوالى فيه أشكال العمل الجديدة بسرعة عالية، تواجه أسواق العمل تحديًا كبيرًا يتمثل في كيفية التكيف مع ما يحمله المستقبل من متغيرات
في السعودية، شهدت البلاد زيادة ضخمة في الطلب على العمالة منذ الطفرة الاقتصادية التي بدأت في السبعينيات والثمانينيات، مما أدى إلى تدفق أعداد كبيرة من العمالة الوافدة، وخاصة من المناطق الجنوبية الآسيوية والشرق الأوسط
رغم أن البطالة لم تكن ظاهرة واضحة في البداية، إلا أنها بدأت تزداد تدريجيًا مع دخول المزيد من المواطنين إلى سوق العمل، لتصبح أكثر وضوحًا في التسعينيات
وعلى مدار العقود التالية، عملت السعودية على معالجة هذا الخلل من خلال مجموعة من السياسات والأنظمة، ولكن التحول الحقيقي بدأ فعلاً مع إطلاق رؤية السعودية 2030، التي وضعت هدفًا إستراتيجيًا يقضي بتقليص معدل البطالة إلى 7%، وهو ما أسفر عن نتائج إيجابية تمثلت في تراجع معدلات البطالة إلى مستويات تاريخية
تحت مظلة هذه الرؤية، أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مبادرة “وحدة استشراف العرض والطلب”، التي تعتبر أداة مبتكرة تهدف إلى توقع التغيرات القادمة في سوق العمل
تعتمد هذه المبادرة على تحليل شامل لبيانات الخريجين والطلاب، إضافة إلى مؤشرات التوظيف والأجور والاستقدام، حيث تنسجم هذه البيانات مع احتياجات القطاعات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي، والتقنية، والاقتصاد الرقمي، فضلاً عن المشاريع الوطنية الكبرى
قدمت المبادرة دعمًا قويًا للسياسات الوطنية المتعلقة بالتوظيف من خلال توفير بيانات دقيقة، ووجهت برامج التوطين بفعالية أكبر، مما مكّن المؤسسات التعليمية من تعديل مناهجها لتتماشى مع المهن المستقبلية
وبالفعل، بدأت النتائج الإيجابية تتضح من خلال انخفاض معدل البطالة بين السعوديين إلى 6.3%، وتحسن ملحوظ في توافق مخرجات التعليم مع احتياجات السوق
وأشار الدكتور عصام خليفة، عضو جمعية الاقتصاد السعودية، إلى أن التسارع الزمني في مسائل البطالة سبب في وجود ثغرات هيكلية يومئذٍ، مما أسهم في تفاقم مشكلة البطالة وزيادة معدلاتها سنويًا
وأضاف قائلاً: “خاصة وأننا كنا في ذاك الوقت في قمة التنمية، ولم نتخذ خطوات سليمة في استقدام العمالة غير الضرورية وغير المتخصصة، لكن الأمور قد تغيرت الآن، وأصبحنا في وضع أفضل بفضل برامج رؤية 2030”
فيما أشار المهندس نضال رضوان، رئيس اللجان العمالية سابقًا، إلى التحول التاريخي في طبيعة المهن قبل اكتشاف النفط، حيث كان الاعتماد يعتمد على مهن تقليدية مثل الصيد والزراعة
كما أوضح أن البطالة في السعودية نشأت جراء تغيير التركيز على توظيف السعوديين عبر القطاع الخاص، بعد أن كانت الحكومة هي المسؤولة عن ذلك منذ السبعينيات
وبحسب رضوان، “ومع ذلك، فإن رؤية 2030 والتعديلات الأخيرة في أنظمة العمل جعلت القطاع الخاص أكثر جذبًا لطالبي العمل مقارنة بما كان عليه في السابق”