
كشف تحقيق موسع نشرته مجلة فوربس عن أزمة عميقة داخل شركة ميتا، تتعلق بفقدان أهم مهندسيها وعلماء الذكاء الاصطناعي لصالح شركات منافسة، وذلك نتيجة لما وُصف بأنه ثقافة تنظيمية فوضوية وغياب رؤية استراتيجية واضحة.
أفاد التقرير بأن مكاتب ميتا كانت في السابق مليئة بالباحثين والرواد الذين ساهموا في بناء أسس الثورة الحالية في الذكاء الاصطناعي، لكن العديد من هؤلاء تركوا الشركة في السنوات الأخيرة ليصبحوا القوة الدافعة وراء بعض الشركات الناشئة البارزة في هذا المجال، مثل Perplexity وMistral وFireworks AI وWorld Labs.
أسباب فقدان المواهب
أوضحت فوربس أن المغادرين لم يتركوا ميتا بسبب الأجور فقط، بل نتيجة إحباط متزايد من بيئة عمل تركز على رهانات ضخمة قصيرة المدى دون وجود استراتيجية واضحة أو أهداف طويلة الأجل. بعض الباحثين شعروا بأن غياب الرؤية والاضطرابات الإدارية ساهمت في فقدان الحافز، مما أدى إلى هجرة جماعية للعقول الموهوبة.
رد زوكربيرج: استثمارات ضخمة
في مواجهة هذا التحدي، لم يستسلم مؤسس الشركة مارك زوكربيرج، بل أطلق حملة توظيف تعتبر من الأغلى في وادي السيليكون. فقد أعلن مؤخرًا عن تأسيس مختبرات Meta Superintelligence، وهو كيان جديد يهدف إلى دمج الفرق البحثية المتفرقة في الشركة، بما في ذلك Meta AI والمختبر التجريبي الجديد المسمى TBD Lab.
تتضمن القيادة الجديدة أسماء بارزة مثل ألكسندر وانج (من Scale AI سابقًا) ونات فريدمان (المستثمر ورائد الأعمال المعروف)، مع مهمة واضحة: إعادة ميتا إلى الصدارة في سباق الذكاء الاصطناعي.
ولفت التقرير إلى أن زوكربيرج لم يكتفِ بإعادة الهيكلة، بل قام أيضًا بإعداد حزم تعويضات كبيرة تصل أحيانًا إلى مئات الملايين من الدولارات لاستعادة العقول التي فقدتها الشركة.
التحديات الثقافية
رغم ذلك، حذر الخبراء من أن حل المشكلة بالمال فقط قد يؤدي إلى بناء فريق قوي على الورق، لكنه لن يعالج جذور الأزمة. فالمهندسون الذين غادروا لم يبحثوا فقط عن رواتب أعلى، بل عن بيئة عمل مرنة برؤية واضحة تتيح لهم الابتكار والنمو.
ووفقًا لتعليق نقلته فوربس عن أحد الباحثين: “الموهبة ليست مجرد توظيف، بل تتعلق بخلق بيئة تجعل الناس يرغبون في البقاء.”
تأتي تحركات ميتا في وقت يشهد فيه قطاع الذكاء الاصطناعي منافسة قوية، حيث أصبحت OpenAI اسمًا رائدًا عالميًا، بينما حققت Anthropic تقدمًا ملحوظًا في النماذج الآمنة، واستمرت Google DeepMind في تسجيل اختراقات بحثية متقدمة، في ظل دخول لاعبين صينيين مثل DeepSeek إلى الساحة بقوة.
ومع أن مشروع الميتافيرس لم يحقق الشعبية التي كان زوكربيرج يأملها، فإن العودة إلى سباق الذكاء الاصطناعي باتت مسألة بقاء، وليست مجرد محاولة للحاق بالركب.
ميتا اليوم في مفترق طرق: إما أن تحقق استثماراتها الضخمة وإعادة هيكلتها في استعادة مكانتها في سباق الذكاء الاصطناعي، أو ستظل عالقة في دورة مفرغة من فقدان المواهب بسبب مشكلات هيكلية وثقافية لم تُحل بعد. السؤال الأهم: هل يمكن للأموال وحدها أن تشتري المستقبل؟