الصين تسعى لتصبح خزنة الذهب العالمية وتأثير ذلك على الاقتصاد العالمي
تسعى الصين لترسيخ موقعها كلاعب محوري في سوق الذهب العالمي عبر تقديم نفسها كأمين حفظ لاحتياطيات الذهب السيادية الأجنبية، وتعتبر هذه الخطوة تحدياً مباشراً لمراكز لندن ونيويورك التقليدية، حيث تهدف بكين من خلالها إلى تحقيق أهداف متعددة وتواجه عدة تحديات.
ورغم أن التجربة ليست جديدة على مستوى العالم، حيث سبقتها نماذج مثل بنك إنجلترا والاحتياطي الفيدرالي الأميركي في حفظ ذهب دول أخرى، فإن دخول الصين هذا المجال قد يعيد تشكيل خريطة القوة في أسواق المعادن الثمينة.
اقرأ أيضاً: عدد غير مسبوق من البنوك المركزية يخطط لتعزيز احتياطيات الذهب
ما هو حفظ احتياطيات الذهب السيادية، وكيف يتم عملياً؟
يشير حفظ احتياطيات الذهب إلى تخزين المعدن الثمين وفق مواصفات “رابطة سوق السبائك في لندن”، في خزائن آمنة باسم دولة أو بنك مركزي، مع سجلات محاسبية تظهر الملكية، وأحياناً عقود تحدد شروط الوصول والتأمين والتحويل.
كما تُعد خدمات الحفظ التي تقوم بحماية الأصول نيابة عن العملاء ركيزة أساسية في أي مركز لتجارة الذهب، لما تعززه من ثقة وتساعد على جذب مزيد من التعاملات.
وفق بيانات نشرها مجلس الذهب العالمي في يونيو الماضي، أفاد 59% من مسؤولي البنوك المركزية أنهم يلجأون إلى التخزين المحلي لجزء من احتياطياتهم من الذهب، مقابل 41% فقط في العام الماضي، وعلى الرغم من محدودية النسبة، فإن بعض البنوك المركزية أعادت إحياء خيار تنويع التخزين الخارجي، وهو خيار لم يُذكر في الاستطلاعات منذ عام 2022.
ما الخطوات التي تتخذها الصين للقيام بدور خزنة ذهب العالم؟
قد اتخذت الصين عدة خطوات لفتح سوق الذهب لديها، إذ أطلقت بورصة شنغهاي للذهب أول خزائنها وعقودها الخارجية في هونغ كونغ هذا العام، وسيقوم بنك الشعب الصيني باستخدام بورصة شنغهاي للذهب لجذب البنوك المركزية من الدول الصديقة لشراء الذهب وتخزينه داخل حدود الصين.
اقرأ أيضاً: الصين تسعى للتحول إلى “أمين حفظ” احتياطيات الذهب السيادية العالمية
كما يخطط البنك المركزي الصيني لتخفيف القيود على استيراد الذهب، بهدف تحرير أكبر سوق للمعدن النفيس في العالم، وقد حظيت هذه الجهود باهتمام من دولة واحدة على الأقل في جنوب شرق آسيا، وفق “بلومبرغ”.
ما هي أهداف الصين من هذه الخطوة؟
تسعى الصين لتحقيق عدة أهداف من وراء أن تصبح “خزنة” احتياطيات الذهب السيادية العالمية، حيث ستعزز هذه الخطوة من دور بكين في النظام المالي العالمي، بالإضافة إلى توسيع نفوذها في تسعير هذه السلعة الحيوية.
كما تدعم هذه الخطوة هدفها في إقامة عالم أقل اعتماداً على الدولار الأميركي وتدويل اليوان، حيث تنفذ الصين حملة واسعة النطاق لتعزيز دور عملتها على الساحة العالمية، ومنافسة المراكز الغربية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وسويسرا.
هل توجد تجارب دولية لحفظ الذهب وتخزينه؟
محاولة الصين لأن تصبح “أمين حفظ” احتياطيات الذهب السيادية العالمية ليست الأولى من نوعها، حيث لا يزال بنك إنجلترا هو المكان المفضل للعديد من مسؤولي البنوك المركزية حول العالم، حيث يحتفظ بنسبة 64% من احتياطيات الذهب، بارتفاع عن 55% في العام الماضي، وفق مسح أجراه مجلس الذهب العالمي.
تضم خزائن بنك إنجلترا أكثر من 5 آلاف طن من احتياطيات الذهب العالمية، وتُقدَّر قيمتها بحوالي 600 مليار دولار، مما يعزز من مكانة لندن كأكبر مركز لتجارة المعدن النفيس، وفق “بلومبرغ”.
وفي الولايات المتحدة، تُعد قلعة “فورت نوكس” واحدة من أكثر المباني حراسة حول العالم، حيث أُنشئت عام 1936 في ولاية كنتاكي لتكون المخزن الرئيسي لاحتياطي الذهب في البلاد، وتضم حالياً نحو 147.3 مليون أونصة من الذهب، أي ما يعادل نصف احتياطيات الخزانة الأميركية، وفق بيانات دار سك العملة الأميركية.
وهناك أيضاً خزنة الذهب التابعة لبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، التي تقع في الطابق السفلي لمقره في مانهاتن، وقد شُيّدت في عشرينيات القرن الماضي لتأمين احتياطيات الذهب.
كما يعمل الاحتياطي الفيدرالي كأمين حفظ نيابة عن الحكومات الأجنبية والبنوك المركزية والمنظمات الدولية، ولا يسمح للأفراد أو الجهات الخاصة باستخدامها، وتُعد الخزنة اليوم أكبر مستودع معروف للذهب المخصص كاحتياطي رسمي في العالم، حيث ضمت عام 2024 نحو 507 آلاف سبيكة بوزن إجمالي 6331 طناً مترياً، وفق موقعه الإلكتروني.
ومن بين البنوك المركزية الأخرى، يخزن البنك الوطني السويسري أكثر من 70% من إجمالي احتياطياته البالغة 1040 طناً من الذهب داخل سويسرا، بينما تُوزَّع النسبة المتبقية بين بنك إنجلترا (20%) والبنك المركزي الكندي (10%).
ويمتلك البنك المركزي الألماني (بوندسبنك) ثاني أكبر احتياطي ذهب في العالم بحجم 3352 طناً، حيث يُخزَّن ثلثه في الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك لأسباب تاريخية ترجع إلى الحرب الباردة وما بعد الحرب العالمية الثانية، أما باقي الاحتياطيات فتوزَّع بين مقر البوندسبنك في فرانكفورت ونيويورك، وبنك إنجلترا في لندن، وفق “رويترز”.
ما تداعيات خطوة الصين على سوق الذهب العالمي؟
إذا أصبحت الصين مركزاً لتخزين الذهب الأجنبي، فإن ذلك سيعزز من أهميتها في النظام المالي الدولي، مما يجعلها لاعباً لا يمكن تجاهله في القرارات المتعلقة بالاحتياطيات والسياسات النقدية، حيث قد تستفيد الصين من علاقاتها مع الدول الصديقة لتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي من خلال تلك الترتيبات.
من جهة أخرى، قد تسعى بعض البلدان الناشئة إلى تحويل جزء من احتياطياتها إلى أماكن تخزين خارج النظام الذي تسيطر عليه الدول الغربية، لأسباب أمنية أو لتفادي مخاطر تجميد الأصول كما حدث مع روسيا بعد غزو أوكرانيا في 2022.
الطلب الإضافي على الذهب، خاصة إذا تم جذب العديد من البنوك المركزية، قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المعدن، مع احتمال ظهور فروقات سعرية في الأسواق العالمية حسب الموقع، مما يزيد من تكاليف الحيازة.
ما مقدار احتياطيات الصين من الذهب وترتيبها عالمياً؟
في الربع الثاني من 2025، حلت الصين في المركز السادس عالمياً من حيث حجم احتياطيات الذهب، التي بلغت 2298 طناً بقيمة تُقدَّر بحوالي 243 مليار دولار، وهو ما يعادل 6.7% من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي للبلاد.
خلال أغسطس، مدّد بنك الشعب الصيني سلسلة مشترياته من الذهب للشهر العاشر على التوالي، لترتفع حيازاته بمقدار 0.06 مليون أونصة إلى 74.02 مليون أونصة، بعدما أضاف منذ نوفمبر الماضي نحو 1.22 مليون أونصة.
قد يهمك: الذهب في خزائن الدول: من المتصدر؟
هل تواجه الصين تحديات في مسعاها؟
نعم، حيث تفتقر الصين إلى سوق مصرفية للسبائك، ويظل التداول عبر بورصة شنغهاي للذهب محلياً للغاية، مما يشير إلى ضرورة تغيير ذلك، كما يقول أدريان آش، مدير الأبحاث في شركة “بوليون فولت” (BullionVault).
يرى آش أن “بناء مخزونات من الذهب جاهزة للتأجير والإقراض” يمثل خطوة أساسية نحو إنشاء سوق مصرفية للسبائك، ولكنه يؤكد أيضاً على أهمية تخفيف القيود على تصدير السبائك من الصين “لجعل الأسعار المحلية أقرب إلى الأسعار العالمية”.
علاوة على ذلك، ينبغي على المستثمرين الأجانب تجاوز مخاوفهم من تخزين ذهبهم خارج حدود بلدانهم، ولا سيما في الصين الشيوعية، حيث تحتاج الحكومات الراغبة في حفظ جزء من سبائكها إلى الثقة بسيادة القانون واحترام حقوق الملكية، تماماً كما كانت تتمتع به لندن ونيويورك.