في وقت حساس للغاية على مستوى المنطقة، تستعد مصر والأردن لعقد الدورة الثالثة والثلاثين للجنة العليا المشتركة، وهي واحدة من أنجح آليات التعاون الثنائي العربي. ستبدأ الاجتماعات التحضيرية يوم غدٍ السبت في العاصمة الأردنية عمان، تهيئة للانطلاق الرسمي يوم الثلاثاء المقبل بمشاركة رفيعة المستوى من الجانبين، يتقدمهم رئيسا وزراء البلدين.
على الرغم من أن اللجنة تعقد في إطارها الدوري المعتاد، إلا أن توقيتها هذا العام يتزامن مع تصاعد التوترات الإقليمية واستمرار النزاع الإسرائيلّي على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، وما ينتج عن ذلك من تداعيات إنسانية وجيوسياسية خطيرة. تتصدر هذه التحديات تهديدات التهجير القسري، مما يمنح الاجتماعات بعدًا سياسيًا خاصًا ووزنًا إضافيًا لرسائلها، خصوصًا حول تأكيد الموقف المصري الأردني الثابت من القضية الفلسطينية ورفض الحلول الأحادية. كما تشدد على ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
تعكس اللقاءات المتزايدة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وكذلك بين رئيسي وزراء البلدين، توافقًا كاملًا في الرؤية، يتم تجسيده حالياً عبر أدوات التعاون الثنائي كوسيلة سياسية، وليس اقتصادية فحسب.
رغم الأبعاد السياسية، لا يغيب الجانب الاقتصادي عن اللجنة، حيث يتضمن جدول أعمال الدورة ملفات حيوية مثل تعزيز الربط الكهربائي وتبادل الطاقة، خاصة في ظل المشاريع المشتركة في مجالي الهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة. كما تسعى إلى توسيع الشراكات التجارية والاستثمارية وفتح آفاق جديدة أمام القطاع الخاص ورواد الأعمال في كلا البلدين. بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مجالات التعليم والتدريب المهني والبيئة والنقل والصحة والاتصالات والخدمات الحكومية الرقمية.
شهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر والأردن تطورات ملحوظة، إذ ارتفعت قيمة التبادل التجاري لتصل إلى مليار دولار خلال عام 2024 مقارنة بـ867 مليون دولار في عام 2023. وبلغت قيمة الصادرات المصرية إلى الأردن نحو 752 مليون دولار، في حين سجلت الواردات المصرية من الأردن 255.8 مليون دولار.
كما بلغت تحويلات المصريين العاملين في الأردن حوالي 361.2 مليون دولار خلال العام المالي 2023/2024، بينما سجلت تحويلات الأردنيين العاملين في مصر نحو 4.6 مليون دولار.
تعتبر اللجنة العليا المصرية الأردنية من أكثر اللجان المشتركة انتظامًا وفاعلية في العالم العربي، حيث انطلقت أولى دوراتها في عام 1985 وقد عُقدت أكثر من 30 دورة حتى الآن، أدت إلى توقيع العديد من الاتفاقيات في مجالات الاقتصاد والثقافة والصحة والتعليم.
مع انعقاد الدورة الثالثة والثلاثين، ترسل القاهرة وعمان رسالة عربية مزدوجة، الأولى أن القضية الفلسطينية لا تزال في صدارة الأولويات السياسية، والثانية أن أدوات التعاون الثنائي، المدعومة بإرادة سياسية حقيقية، يمكن أن تكون وسيلة فعالة لحماية الأمن القومي العربي وتعزيز الاستقرار الإقليمي في أوقات الاضطراب.