
محمد جعفري: رمز الصداقة الحقيقية
يختلف كل فراق عن الآخر، فبعض الرحيل يؤثر بصمت وبعضه يجلب معه فراغًا يملؤه الحضور. صديقي الراحل محمد جعفري من أولئك الذين يثبتون أن الحب أقوى من الموت، وأن الذكريات تستطيع أن تتجاوز الغياب.
محمد جعفري: إنسان لا ينسى
في سبتمبر 2020، تجمع المئات في مقبرة ضمد لتشييعه، ولم يكن هذا المشهد عاديًا، بل بدا كأن المدينة بأكملها خرجت لتوديع من عرفوه في حياته. أحد الواقفين قال: “أسكن هنا منذ عشر سنوات، ولم أرَ جنازة بهذا العدد حتى قبل أحداث كورونا”. كان الرد الذي ساد بين الجمع: إنّه محمد جعفري، الذي يجمع الناس في حياته وبعد وفاته.
لقد كتبت حينها أن قلبه كان يشبه قلوب القديسين. لم يكن يعرف إلا الكرم والعطاء والصدق، وكانت روحه تشبه النبع الصافي، حيث تذهب إليه مثقلاً، لتعود أخفّ وأكثر بهجة. كان رحمه الله واسعًا في محبته، بسيطًا في حضوره، ومضيئًا بابتسامته.
واجه محمد السرطان بشجاعة استثنائية؛ فقد كان الاستسلام ليس ضمن خياراته، بل كان صبره ورضاه علامة مميزة لشخصيته. عاش كل يوم كأنه هدية، ولم يسمح للألم أن يطفئ فرحته بالحياة. حتى في أقسى لحظاته، حافظ على نقاء سريرته وروحه التي كانت تمد الآخرين بالعزيمة والأمل.
عندما خصصت صحيفة عكاظ صفحة كاملة عنه، تزايدت الكلمات التي تشهد له. كتب أصدقاؤه وزملاؤه:
•”كان محمد أخًا وصديقًا قبل أن يكون زميلًا. لا يتركك في ضيق، ولا يبتعد عنك في فرح.”
•”عرفناه كريمًا ونبيلاً، لا يردّ محتاجًا، ولا يخذل صديقًا.”
•”كان يملك ابتسامة تُشبه الضوء؛ إذا حضر، دخل السرور قلبك.”
•”كان حاضرًا في كل المناسبات، باذلاً جهده، صادقاً في مشاعره، لا يعرف الزيف ولا التكلّف.”
كل شهادة كانت تكمل الأخرى، لتظهر صورة واحد: إنسان نادر، عاش عميقًا ورحل بشكل كبير. أكتب عنه اليوم في محبة أصدقائي وكأنّه يجلس بيننا، لا أراه غائبًا بل ممتدًا في الكلمة التي تُكتب عنه، في الذكرى التي تُستعاد، وفي الدعاء الذي يتواصل. محمد جعفري لم يكن مجرد صديق رحل، بل صار رمزًا للصداقة الصافية التي لا يستطيع الموت أن يغيبها!