تحول الزمن في السياسة والتاريخ
تعتبر نظرية النسبية التي وضعها أينشتاين نقطة انطلاق لفهم جديد للزمن، إذ ليس الزمن ثابتًا أو مطلقًا، وإنما يتغير تبعًا للسرعة ومستوى الجاذبية. ويمكن تطبيق هذه الفكرة على الحقول السياسية والاقتصادية، حيث تتحرك الأمم داخل “حقول زمنية” خاصة بها. بعض القيادة تشهد القدرة على تسريع الفترات الزمنية بين الحاضر والمستقبل من خلال وضوح الرؤية والحسم والكفاءة، بينما تبقى أخرى محاصرة ببطء التاريخ الذي يستهلك فرصها. التاريخ لا يُفهم كفقط سلسلة مرتبطة من الأحداث، بل كتفاعل بين الحاجة للعمل والغاية الاستراتيجية: الحاجة تحفز الشعوب على الفعل، والغاية تعطي هذا الفعل شرعية. هذه التفاعلات يمكن أن تتطور ببطء ولكنها قد تسرع في لحظات مفصلية، ما يعكس “انحناء الزمن” فيما يتعلق بالفيزياء.
إعادة تشكيل الزمن السياسي
تقدم التجربة السعودية المعاصرة نموذجًا مثيرًا لهذا التسريع التاريخي. من خلال رؤية 2030، تم تقليص الفجوة الزمنية بين التخطيط والتنفيذ، وتحويل المشاريع الكبرى إلى واقع ملموس في فترة قصيرة. ما استغرق عقودًا في دول أخرى تم تحقيقه هنا في أقل من عشر سنوات، دون الانزلاق نحو الفوضى. كانت الحركة تتسم بإقدام وفعالية في تنفيذ القرارات واستثمار الموارد بشكل مثالي. بذلك، أعادت السعودية تعريف “عصرها الخاص”، حيث تحولت سنوات التطور فيها إلى ما يعادل عقودًا في معايير أخرى. الأهم من ذلك هو أن هذا التسريع لم يكن رد فعل على ضغوط خارجية، بل استباقي يهدف إلى تشكيل المستقبل بدلاً من الانتظار له.
مع اقتراب عام 2040، ستجمع المملكة بين الحاجة إلى ضمان البقاء في عالم متغير والغاية الاستراتيجية لإعادة تعريف دورها كفاعل حضاري عالمي، ما سيحولها إلى بؤرة استراتيجية في نظام عالمي متعدد المراكز. ليس فقط بسبب قوتها الاقتصادية، بل أيضًا لقدرتها على خلق ترابط بين الثقافات المختلفة وتقديم نموذج للاستقرار أثناء التحولات السريعة.
من منظور فلسفة التاريخ، يتمثل ما تفعله السعودية في “إعادة هندسة الزمن السياسي”. فهي تحول الزمن من تيار تقليدي يفرض إيقاعه على الدول إلى أداة يمكن التحكم فيها. في نظريات القوة، القدرة على ضبط الزمن تُعتبر قلب السيادة الحقيقية، لأنها تعطي الدولة القدرة على أن تكون فاعلة تسبق الأحداث بدلاً من أن تكون مجرد استجابة لها. يصبح الزمن هنا مادة يمكن إعادة تشكيلها وفق إرادة القيادة، ما يحول السنوات إلى وحدات طاقة سياسية مكثفة، قادرة على إحداث تحولات تتجاوز ما يمكن أن تحققه عقود في دول أخرى. لذا، يمثل “العصر السعودي” برهانًا على أن التاريخ، كما في الفيزياء، يمكن أن ينحني أمام من يمتلك معادلاته، وفي زمن تتشكل فيه خرائط القوة، لا تنتظر السعودية حركة التاريخ بل تصنع فصوله بإيقاعها الخاص.