التحول من المحاكمة إلى الحوكمة: مستقبل الجامعات في العصر الحديث

التحول من المحاكمة إلى الحوكمة: مستقبل الجامعات في العصر الحديث

الحوكمة: تحول في الوعي المؤسسي والإدارة الجامعية

تشهد المؤسسات التعليمية تحولًا جذريًا من نمط المحاكمة إلى الحوكمة، وهي ليست مجرّد تغيير لغوي، بل تعبير عن قفزة نوعية في طريقة إدارتها. في بعض البيئات الأكاديمية، ينتشر الشعور بالخوف من اتخاذ المبادرات، حيث يُعتبر الخطأ واحدًا من أخطر الأمور المهددة للنجاح. يُنظر إلى الأفكار الجديدة كعبء يُثقل كاهل المؤسسة، بينما يُعد الصمت وسيلة لتحقيق الأمان الشخصي. في مثل هذه الظروف، تتراجع الثقة الجماعية، وتبدأ روح الابتكار في الانحسار.

الإدارة الرشيدة: أداة لتعزيز الثقة والإبداع

تجلب الحوكمة معها تغييرات جذرية في الثقافة المؤسسية؛ إذ تصبح الأنظمة أطرًا للعدالة بدلًا من أدوات للقمع. تتغير طبيعة المساءلة لتكون وسيلة للتطوير وليس للعقاب، وتُحتفى بالمبادرات كقيم إيجابية، يُدفع بها إلى الأمام دون تخوف أو تردد. يتسارع التوجه العالمي نحو تشجيع التميز في التعليم الجامعي بالاعتماد على مبادئ الشفافية والمساءلة، مما يُسلط الضوء على أهمية التحولات الهيكلية داخل مؤسسات التعليم.

قد تُعاني بعض الجامعات من الفتور في الطروحات والمبادرات ليس بسبب غياب الكفاءات، ولكن نظرًا لنقص الأمان الذي تمنحه الحوكمة. عندما يُعامل الاجتهاد والتحليل النقدي بحذر، وتُستخدم النوايا الحسنة لتبرير التثبيط، تتراجع الثقة وتضيق فرص الابتكار. تتعثر بعض الممارسات، مثل التردد في إسناد السلطة، وعدم وضوح معايير التقييم، وتعامل المؤسسات مع المبادرات بروح التوجس بدلًا من التشجيع. هنا تأتي الحوكمة لتكون الحل الأمثل، حيث تُعيد تنظيم كل ما هو غير مُنتج، وتُعيد بناء ثقافة المساءلة الإيجابية التي تعكس أمانًا مهنيًا يجعل الأداء يتطور وثقة الأفراد تتزايد.

في الأوساط الأكاديمية، نرى تكرار مقولات تعبر عن الخوف من التعبير عن الآراء، مما يدل على غياب ثقافة الإصغاء. تُبرز هذه القضايا أهمية اعتماد الحوكمة الرشيدة لبناء بيئة تعليمية تعزز من الثقة. ينبغي أن تكون الحوكمة نظامًا يبعث على التشجيع ويدعو إلى العقليات الإيجابية، حيث يُعتبر الرأي قيمة، والمبادرة حقًا، وتُستخدم المساءلة كوسيلة للتطوير.

مع فرض نظام الجامعات الجديد في السعودية، أصبحت هناك نقلة نوعية واضحة، تتمثل في منح الجامعات استراتيجيات مستقلة تضفي عليها القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة. يعزز هذا النظام المنافسة بين الجامعات ويحد من البيروقراطية التي يمكن أن تُعيق عملية التطوير. في هذا السياق، بدأ بعض الجامعات بتشكيل مجالس أمناء، وتبني مؤشرات أداء، ولكن لا تزال هناك فوارق قائمة تحد من الاستمرارية.

تتأثر بعض القرارات بتغير القيادات أو الانطباعات الفردية، مما يضعف الأداء العام. تصبح المبادرات المؤسسية الشجاعة ضحية للمصالح الشخصية، ولهذا، تحتاج الحوكمة لضمان اتساق الأهداف لحماية تراكم الجامعة وسيرها بخطى ثابتة. لذا، فإن الجامعات التي تعتمد نهجًا مؤسسيًا تساهم أكبر في بناء القادة وكوادر وطنية مؤهلة ترفع من مستوى اقتصادها.

بذلك، يتضح أن الحوكمة ليست مجرد مفهوم تقني، بل هي إطار عمل يؤسس لمؤسسات تعليمية حيوية تقدم قيمتها المضافة للمجتمع ولا تخشى من الفشل، بل تسعى للاستفادة من كل تجربة لتطوير الذات وتحقيق الإنجازات.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *