
فى تحول استراتيجى غير مسبوق، تسجل مصر انخفاضًا تاريخيًا فى وارداتها من القمح خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025. تشير البيانات الرسمية إلى أن الكمية المستوردة انخفضت بنسبة 31%، حيث تراجعت من 8 ملايين طن فى نفس الفترة من عام 2024 إلى 5.5 مليون طن، وهو أدنى مستوى لها منذ ثلاث سنوات.
هذا التراجع الملحوظ جاء نتيجة سياسة حكومية طموحة تهدف إلى تعزيز الأمن الغذائى وتقليل الاعتماد على الأسواق العالمية المتقلبة. وتعتمد الحكومة على مزيج من المخزون الاستراتيجى وزيادة الإنتاج المحلى وتنويع مصادر الاستيراد.
يعود السبب الرئيسى لهذا الانخفاض إلى قرار الحكومة بخفض وارداتها بنسبة تتجاوز 53%. فبينما استوردت الحكومة 4.1 مليون طن من القمح عام 2024، تراجعت هذه الكمية إلى 1.9 مليون طن فى عام 2025. يعكس هذا الانخفاض الكبير استراتيجية واضحة للتعامل مع احتياجات منظومة الخبز المدعوم، حيث زادت الحكومة من اعتمادها على مخزونها الاستراتيجى الضخم مع ما جمعته من الإنتاج المحلى.
يأتى هذا التحول بعد نجاح موسم توريد القمح المحلى، والذى شهد إقبالًا كبيرًا من المزارعين، حيث استطاعت الحكومة تجميع 3.8 مليون طن من القمح، مما ساهم فى تغطية جزء كبير من الفجوة الي كانت تعتمد على الاستيراد، مما يقلل من الضغط على العملة الصعبة ويعزز الموقف التفاوضى لمصر فى الأسواق العالمية.
فى المقابل، استقر القطاع الخاص نسبيًا، مع انخفاض طفيف لم يتجاوز 7%، مما يدل على أن الطلب من المطاحن والصناعات الغذائية ظل ثابتًا، ويؤكد الاستراتيجية الحكومية كمحرك أساسى لهذا التغيير.
ولم يقتصر التغيير على حجم الواردات فقط، بل توسعت خريطة الاستيراد لتقليل مخاطر الاعتماد على مصدر واحد. ورغم أن روسيا كانت المورد الأكبر لمصر تقليديًا، إلا أن وارداتها انخفضت بنسبة 47%. بالمقابل، ارتفعت واردات القمح من أوكرانيا بنسبة 15%، لتصل إلى 1.5 مليون طن.
تأتى هذه الخطوة كجزء من سياسة موسعة لتأمين احتياطى مستدام، حيث تم مضاعفة عدد مناشئ استيراد القمح إلى 22 منشأ فى عام 2024، مقارنة بـ15 منشأ فى عام 2021 و11 منشأ فقط فى عام 2014. هذا التوسع يوفر لمصر مرونة أكبر فى التعامل مع أى اضطرابات محتملة فى سلاسل الإمداد، ويضمن استمرار تدفق القمح بأسعار تنافسية.