نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
واحات مصر.. من بيئة طاردة إلى جاذبة للسكان - صحيفة تواصل, اليوم الخميس 16 أكتوبر 2025 10:19 صباحاً
صحيفة تواصل - واحات مصر.. من بيئة طاردة إلى جاذبة للسكان
مرت واحات مصر بعصور متقلبة بين الرخاء والشدة، وبين الاستقرار والترحال، وارتبط الرخاء والاستقرار بتدفق مياه الآبار والعيون واستصلاح وزراعة الأرض، وعند جفاف مياه الآبار والعيون تتقلص مساحة الأراضي الزراعية ويقل الغذاء ويزيد الفقر بين أهلها ويكون الحل هو الترحال إلى مكان آخر.
وتشير الدراسات الجيولوجية إلى أن الواحات وما حولها من صحراء كانت جنات خضراء بفعل سقوط الأمطار الغزيرة وأنها أصل العمران في مصر قبل ظهور نهر النيل وتغير المناخ.
و السؤال الذي يفرض نفسه: هل يعيد مانراه الآن من تغير المناخ لواحات مصر وصحرائها أمطارها وخضرتها؟
وتستمد كلمة «واحات» اسمها من مجموع الواحات السبع التي عرفها المصريون القدماء، وكلمة «واحة» كانت للتدليل على منخفض بذاته كالواحة الكبرى، أي الواحات الخارجة، وواحة الشمال، أي الواحات البحرية، وهذا يدل على أن كل منخفض من منخفضات الواحات كان له وحدة واحدة متصلة الرقعة الزراعية فيه نضرة دائمة وازدهار متجدد في الربيع بما تزدان به حدائقها من ثمار وأزهار وفيه الأغصان وارفة الظلال والطيور المغردة والماء الزلال جعل من بعض واحاتها جنة للديناصورات.
وبمرور الزمن أصبحت الواحة الواحدة واحات بعد أن زحفت اليها الأراضي القاحلة، ويجمع الكثير من العلماء على أن واحات مصر كانت سبعا في عصر البطالمة وهي: الواحة البحرية والواحة الخارجة والواحة الداخلة وواحة الفرافرة وواحة سيوة والواحة التي كان يسميها قدماء المصريين واحة (اوت) وهى لم تكتشف بعد، وواحة وادي النطرون، لكن رأى بعض العلماء ومنهم أحمد شفيق باشا مدير عام مصلحة الحدود في مذكراته عام 1929 أن عدد الواحات خمس واحات فقط إذ خرج وادي النطرون من عداد الواحات ثم لم يستدل بعد على ما كان يسمونه واحة (اوت).
وفي عصور الفراعنة ازدهرت الزراعة وانتشر العمران وعم الرخاء في واحات مصر وسجلت على جدران المقابر والمعابد مكاييل القمح وجرار النبيذ، وكما يقول رمسيس الثاني للاله آمون لقد عملت لك حدائق كروم في الواحات الجنوبية والواحات الشمالية، كما كانت الواحات سلة الغذاء للإمبراطورية الرومانية.
ولأن الأيام دول ودوام الحال من المحال، فإن الواحات قد عانت من العزلة و الإهمال لمئات السنين، ففضل أهلها الترحال لأسباب عديدة، وتحكم فيها تحكما مطلقا الثلاثي الذي يتكفل بإقامة صرح التأخر في أي مجتمع إنساني.. المرض والجهل والفقر.
وكان السواد الأكبر من أهل الواحات في معظم فترات القرن الماضي من الفقراء، لا يكاد الواحد منهم يملك قوت يومه، وكان الأغنياء قلة يمتلكون الماء والأرض والنخيل، وزاد الطين بلة جفاف الآبار والعيون في معظم مناطق الواحات مما أدى إلى تقلص المساحة الزراعية ونقص الغذاء، لذا كان الرحيل إلى أرض الله الواسعة، فكانت هجرة الكثيرين من أهل الواحات الداخلة والواحات الخارجة إلى القاهرة و الاسكندرية والسويس والإسماعيلية وبورسعيد وهجرة الكثيرين من أهل واحتي البحرية والفرافرة إلى القاهرة ومحافظتي المنيا والفيوم.
ودعا هذا الأمر الدولة للتدخل والقيام بدور هام في وقف التدهور ووضع خطط للتنمية بدءا من أول ستينيات القرن الماضي عندما أنشات محافظة الوادي الجديد وحفرت الآبار العميقة عن طريق هيئة تعمير الصحاري في كل واحات مصر بعد جفاف الكثير من الآبار والعيون السطحية واستصلاح وزراعة آلاف الأفدنة وخلق فرص عمل لأهل الواحات والقادمين إليها من وادي النيل وبذلك أمكن إيقاف هجرة أهل الواحات إلى وادي النيل بحثا عن لقمة العيش بعد أن وجدوا صعوبة الحصول عليها بالواحات.
وجاءت الخطوة الثانية بقيام الدولة بربط الواحات بوادي النيل في ستينيات وأول سبعينيات القرن الماضى برصف الطرق وتوفير المواصلات سواء حافلات نقل الركاب وحافلات نقل البضائع والسلع وبعد بضع سنوات تم إمدادهم بالتيار الكهربائي والإرسال التلفزيوني وجميعها خطوات هامة للخروج من العزلة التي فرضها الموقع الجغرافي في صحراء مصر الغربية لمئات السنين وبداية للتنمية الحقيقية وهو ما أدى إلى الهجرات العكسية المتتالية من محافظات الجمهورية إلى جميع الواحات.
يقول موسى محمد عمار، موجه سابق بإدارة الواحات البحرية التعليمية: في نهاية سبعينيات القرن الماضي بدأت هجرات جديدة من محافظات كثيرة إلى الواحات البحرية بعد أن تملكوا أراضي زراعية في مناطق كثيرة من الواحة وأصبحت لهم أحياء سكنية مثل حي براني فى مدينة الباويطي وفي منطقة عين توني ببلدة الزبو وغالبية سكانهما جاءوا من محافظة الفيوم، أما منطقة القصعة 2 فغالبية سكانها جاءوا من محافظات المنوفية والشرقية والدقهلية والمنيا، وعائلات أخرى جاءت من كل محافظات مصر وانتشرت واستقرت في مناطق متفرقة بالواحات البحرية، وتجاوز عددهم 6000 نسمة حينها، وأصبحوا جزءا من نسيج الواحة وحدثت حالات مصاهرة كثيرة بينهم وبين أهل الواحة، أما الآن فإن عددهم تجاوز 10000نسمة بخلاف من يأتي إليها للعمل في موسم جمع وتصنيع البلح.
ويضيف عمار: مع بدء تشغيل مناجم حديد الواحات البحرية أول سبعينيات القرن الماضي شيدت الدولة للعمال والمهندسين مدينة سكنية كاملة المرافق وأقاموا فيها مع عائلاتهم التي جاءت من كل أنحاء مصر وبلغ عدد سكان هذه المدينة 3700 نسمة كما أقام فيها الخبراء الروس قبل طردهم من مصر.
ومن واحة الفرافرة يقول عبد الله أحمد علي مدرس بمدرسة الفرافرة الإعدادية إن التركيبة السكانية تغيرت في الواحة بعد الهجرات المتتالية من الوجه البحري بداية من أول ثمانينيات القرن الماضي، وأصبحت الغالبية العظمى لسكان الواحة من الوافدين الذين شكلوا ما يقرب من ثلثي عدد السكان البالغ عددهم 28 ألف نسمة لعام 2017.
ويتركز السكان الوافدون - بحسب علي - في ست قرى رئيسية لها 28 تابعا وهي قرى الخريجين التي أنشاتها الدولة بعد زيارة الرئيس أنور السادات عام 1978 حيث قامت الدولةباستصلاح وزراعة آلاف الافدنة وتوزيعها على هؤلاء الخريجين في هذه القرى وبناء مساكن لإقامتهم فيها.
ويشير كمال سيد سنوسي مدرس بالمعاش إلى أن عدد السكان في واحة سيوة عام 1966 بلغ 5169 نسمة بما فيها قرية جارة أم الصغير التي تبعد عن مدينة سيوة 130 كيلو مترا، وكان لتدخل الدولة دور هام بإقامة مشروعات للتنمية بدءا من سبعينيات القرن الماضي كان آخرها استثمارات ومشروعات كبيرة للصرف الصحي والصرف الزراعي والبنية التحتية من حفر آبار للري وعمل برامج لتشجيع السياحة الداخلية والخارجية للواحة بلغت قيمة هذه المشروعات حوالي 5 مليار جنيه حتى عام 2020.
وبفعل الزيادة الطبيعية للسكان الأصليين لأهل سيوة مع الهجرات المتتالية من خارجها بلغ عدد سكانها عام 2023 حوالي 40 ألف نسمة.
0 تعليق