نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اغتيال ساحل غزة.. 14 مصدرًا فلسطينيًا ودوليًا يكشفون كيف حوّلته إسرائيل إلى «قبر مفتوح» - صحيفة تواصل, اليوم الخميس 16 أكتوبر 2025 01:53 مساءً
صحيفة تواصل - وثقنا شهادات صيادين ونازحين، والناجون من الموت يروون فقدان الأحبة أمام أعينهم
- عتمان: شقيقاي استشهدا أمامي خلال الصيد لتأمين لقمة العيش لعائلة مكونة من 30 شخصًا
- القوقا: فقدت زملاء وأصدقاء.. والتقدم لبضعة أمتار عن الشاطئ مغامرة كبيرة قد تنتهي بالقتل
- أبو شرخ: فقدت ساقي.. وحياتي تحولت إلى سجن مفتوح.. والبحر الملوّث مقبرة غير مرئية
- ميساء قشطة: مخاطر المياه الملوثة والنفايات تحاصرنا وأطفالنا في المخيمات الساحلية
- «لقان»: تسرب العصارة السامة إلى الخزان الجوفي واستمرار الوضع يؤثر على دول مجاورة
- مسئول الثروة السمكية بوزارة الزراعة الفلسطينية يكشف المأساة بعد تدمير 1800 مركب
-مدير عام حماية البيئة في الحكومة: تجريف عسكري.. واليورانيوم والفوسفور الأبيض يلوثان البحر
- «جبارين»: صور جوية وتحليلات أظهرت بقعًا داكنة على بعد 1000 متر من الساحل
- أكثر من 50 مليون طن من مخلفات الهدم والردم تدفقت إلى البحر، تحتوي على مواد مسرطنة
- منظمة الفاو: مياه الصرف والنفايات المتراكمة تقتل الحياة البحرية.. 1.9 مليون نازح في خطر
- «الواعر» يحذر من مستويات غير مسبوقة من التلوث البحري في غزة.. ويستشهد بأقمار صناعية
- تقييمات ميدانية مشتركة مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي كشفت عن أضرار جسيمة في موانئ غزة
- د.الأشقر: تدمير البيئة البحرية في غزة انتهاك صريح لاتفاقيات جنيف ويؤسس لمسؤولية جنائية دولية
على شاطئ قطاع غزة، تصطف زوارق مكسرة كأنها عظام بحر ميت، الموج يجر بقايا شباك محترقة في صمت ثقيل، فيما السؤال: كيف تحول الشاطئ (الممتد بين بيت لاهيا شمالًا حتى رفح جنوبًا)، من مصدر رزق وملاذ للحرية إلى ساحة للخوف والموت، بعدما كان الموج يهمس، يوما، بأغاني الصيادين؟!
لماذا صار البحر قبرًا مفتوحًا؟، على حد وصف: على القوقا، محمد عتمان، أحمد أبو شرخ، ميساء قشطة، وغيرهم، ممن تحدثوا إلى «الأسبوع» كشهود عيان على واقع مفجع للساحل الفلسطيني، الذي كان ينبض بالحياة قبل أن يصبح رمزًا للخطر، حيث مطاردات الزوارق الإسرائيلية والقصف اليومي يلاحقان من يقترب.
كأن البحر فقد صوته، فيما أصبح دور مسئولي الملف في الداخل الفلسطيني إدارة بقايا الكارثة بدلًا من إدارة موارده الطبيعية.. صار الشاطئ ملفًا أمنيًا وبيئيًا أكثر منه موردًا اقتصاديًا، وفق تأكيدات: وليد ثابت، زكريا بكر، صائب لقان، وبهجت جبارين.

حدثوني عن المأساة التي خلفها العدوان الإسرائيلي، عن انهيار المنظومة من الداخل.. رصدوا بعيون مرهقة ما تبقى من مؤسسات تحاول العمل وسط الركام، بين محطات مدمرة وشبكات مشلولة.. الإدارات التي كانت تنظم الصيد وتراقب التلوث صارت توثق الدمار وتعد الخسائر الكارثية.
البحر صار اختبارًا للقدرة على البقاء في وجه الإبادة والخراب البيئي المتصاعد، حتى إن الممثل الإقليمي للشرق الأدنى في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، عبد الحكيم الواعر، حذر عبر «الأسبوع» من مشهد بيئي كارثي يهدد البحر والناس معًا، كون أكثر من 1.9 مليون نازح تتسرب ملوثاتهم إلى البحر.
وحتى مع وقف إطلاق النار في قطاع غزة الذي دخل حيز التنفيذ الجمعة الماضي، بموجب اتفاق شرم الشيخ، فقد حذر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، افيخاي أدرعي (في بيان معمم)، من «مخاطر الاقتراب من المنطقة البحرية على طول شاطئ القطاع، سواء لممارسة الصيد أو السباحة أو الغوص».
بحر مفقود
كانت فرضيتي الأساسية تنطلق من تداعيات العدوان الإسرائيلي على ساحل غزة، وكيف تعرّض طوال 735 يومًا لأضرار بيئية، اقتصادية، واجتماعية جعلت الشاطئ مغامرة مميتة، يراقب فيها الصيادون كل حركة، محاطين بالقذائف والطائرات المسيرة التى تراقب في صمت، وتقتل بعشوائية.
المياه الملوثة بالصرف الصحي والنفايات تحمل تهديدات صحية وبيئية جسيمة. رائحة الصرف الصحي تختلط بملح البحر، والزبد الرمادي يصعد إلى الشاطئ كدخان من فم جريح. حتى الأطفال الذين كانوا يجمعون الأصداف بين الركام أصبحوا (بحسب الشهادات التي وثقتها)، يعرفون أنه لم يعد بحرًا، بل مقبرة بلا شاهد.
لا تقتصر الخسائر على البشر، بل طال الدمار البنية التحتية والمعدات البحرية.. حوالي 95% من الموانئ والمراكب (الحسكات) تم تدميرها، بينما أحرق القصف شبكات ومراكز تخزين، وفي المقابل، ارتفعت أسعار المعدات والأسماك إلى مستويات قياسية.
وسط هذه الأجواء، لم يكن سهلًا على «الأسبوع» التواصل مع جميع أطراف الكارثة داخل غزة في ظل الانقطاع المتكرر للاتصالات والنزوح الذي لا يتوقف، وضرورة توثيق المعلومات وسط فضاء مفتوح. لكن المصادر أفصحت عن تفاصيل البحر الذي كان شريان حياة لآلاف الأسر قبل أن يصبح شبه مغلق.

قتلوا أصدقاء
على شاطئ غزة، ومن ميناء غرب المدينة، تحدث الصياد، علي القوقا لـ«الأسبوع» بمرارة واضحة: «قبل الحرب كنا نصطاد ليلًا، نرمي الشبك، ونعود في الصباح للراحة. حاليًا أصبح الصيد مغامرة تهدد حياتنا. البحر لم يعد مصدر رزق، بل مقبرة للصيادين. فقدت أصدقاء وزملاء، الزوارق الإسرائيلية تطاردنا في أي لحظة».
ميناء غرب غزة، من أهم موانئ فلسطين، يمتد على مساحة تبلغ نحو 48 ألف متر مربع، بعمق يقارب 970 مترًا. يقول «القوقا»: بعد احتلال إسرائيل للقطاع عام 1967، فرضت قيود صارمة على الصيادين، منعوهم من تجاوز ستة أميال بحرية، وخلال العامين الماضيين زادت القيود وعمليات التضييق.

شدد القوقا على أن «قرار جيش الاحتلال الذي يحظر اقتراب الصيادين والسباحين والغواصين من البحر زاد أزمتنا. طريقة الصيد نفسها تغيّرت، لم يعد بإمكاننا رمي كمية كبيرة من الشبك، نضطر لسحبها بسرعة بسبب التهديدات. أحيانًا نقطع الشبك بالسكين ونهرب. أقصى مسافة يصلها المغامر 150 مترًا عن الشاطئ».
يتابع القوقا: «البحر تغيّر للأسوأ. الصرف الصحي يختلط بالمياه، لونها كالمجاري. المخلفات تتراكم في مناطق الصيد المحدودة وتتسرّب إلى شبك الصيد»، وعن الخسائر أوضح أنه كان يمتلك قبل الحرب سبعة قوارب بمحركات وأنواع مختلفة من الشباك، لكن إسرائيل «دمّرت الميناء، وفقدت كل معداتي».
انقطع القوقا عن البحر 18 شهرًا بسبب النزوح المتكرر «لم أكن أملك أدوات صيد.بعد العودة من النزوح عملت في البحر بصعوبة. الحسكة الصغيرة التي كانت تكلّفنا ألف شيكل -حوالي 400 دولار- قبل الحرب، ثكمها حاليا 20 ألف شيكل، وأرخص شبكة بـ 3000 شيكل».
يوضح أن «الإنتاج اليومي تراجع بشكل كبير، كنا نصيد من 40 إلى 60 كيلوغرامًا يوميًا ونبيعها بـ 300 إلى 400 دولار، لكن حاليًا نصيد كيلوًا أو كيلوًا ونصف الكيلو فقط، ونبيع 2 كيلو بـ 300 دولار. الأسعار زادت على الجميع، فأصبح العائد بلا قيمة».
مغامرة مميتة
منذ زمن أجداده، يعيش الصياد، محمد علي عتمان، على البحر. يقول لـ«الأسبوع»: «الصيد مهنة صعبة، لكن الحرب حولتها إلى مخاطرة. إسرائيل منعتنا من الصيد، ومن يغامر قد يدفع أحيانًا حياته مقابل توفير الطعام لأطفاله وعائلته. لقمتنا مغمسة بالدم، لكن ما نعرف غير البحر»، هكذا يتحدث بصوت يغلفه الحزن.
قبل عامين، كانت هناك خمسة موانئ للصيد: الشمال، الوسطى، دير البلح، خان يونس، ورفح، تحتضن حوالي خمسة آلاف صياد، يعيلون ما يقرب من خمسين ألف شخص. كان القطاع ركيزة أساسية للغذاء، لكن بعد الحرب تم حرمان آلاف الصيادين من ممارسة مهنتهم، وفق «عتمان».
قال «عتمان»: «حاولت أنا وإخوتي العودة إلى البحر، لكن في 29 مايو الماضي، نزلت أنا وأخي، أحمد.لم نبتعد كثيرًا عن الشاطئ، هاجمتنا زوارق حربية إسرائيلية. انفجرت قذيفة بجوار الحسكة، ثم أُطلقت قذيفتان باتجاهي وباتجاه أخي، أصابته مباشرة، استشهد، ونجوت بصعوبة رغم إصابتي وإجراء عملية ترقيع عاجلة».
بعد استشهاد أحمد، تولى أخوه حسن مسئولية العائلة (تضم 30 شخصًا)، واستمر في المخاطرة في البحر لتأمين لقمة العيش، لكن في 27 يونيو، وفي المكان نفسه تقريبًا، أصابته طلقة مباشرة في منتصف الرأس فاستشهد، إلا أن المعاناة (بحسب، عتمان) لم تنتهِ «الوضع صعب جدًا، وما إلنا غير الله».

دقائق معدودة
يرتبط الصياد، علي مقداد (54 عامًا) بصداقة خاصة مع البحر، يشكّل حياته منذ الطفولة. يقول الرجل المعروف بـ«عم علي» لـ«الأسبوع»: إن منزله على الشاطئ ولا يستطيع الابتعاد عنه، وإن عائلته كلها تعمل في الصيد، لكنهم يمارسون مهنتهم «نصف ساعة صباحًا وأخرى عند العصر». يتحدث عن تلوث المياه: «تغيرت بشكل كبير. النفايات والمعلبات بسبب النزوح والخيام القريبة من نطاق الشاطئ طردت الأسماك بعيدًا. القذائف الإسرائيلية اليومية تزيد الوضع سوءًا، عشر أو خمس عشرة قذيفة أحيانًا على صياد واحد.قذائف موت وليست للتحذير».

الاستهداف امتد إلى المعدات والممتلكات. يقول «عم علي»: «إسرائيل دمّرت مراكز بيع الشبك، وأحرقت القوارب، ودمّرت الميناء وغرف الصيادين، وحتى البيوت لم تسلم»، يقدّر الخسائر بـ«أكثر من 200%، فيما البحر صار ممنوعًا، الزوارق الحربية والطائرات تحاصر البحر ليل نهار، وتستهدف كل من يقترب».
فقد، «عم علي»، ابنه الكبير، وابن أخيه، وابن أخته خلال الحرب، وأكثر من 120 صيادًا استُشهدوا منذ بداية العدوان، والعشرات جرحى لم يعودوا قادرين على الحركة. يوضح بصوت مملوء بالأسى: «منعونا من البحر، نغامر بحياتنا وندخل حتى مسافة 150 مترًا فقط».

سجن مفتوح
يعيش المواطن الغزّي أحمد أبو شرخ داخل خيمة على شاطئ غزة، في شارع الرشيد غرب المدينة. فقد بيته في بداية العدوان. يقول لـ«الأسبوع»: «ضربتني طيّارة بصاروخ. بتروا ساقي. الحمد لله، أتحرك الآن بطرفٍ صناعي».

أضاف: «حياتنا صارت سجنًا مفتوحًا. ما في حرية حتى قدّام البحر اللي كبرنا فيه. كل حركة علينا مراقَبة من البحرية الإسرائيلية. حتى نغسل حالنا بالبحر ممكن نموت. الشاطئ صار ساحة قصف ورصاص، والوضع صعب كتير. ما في مياه نظيفة، والبحر مليان مخلفات وقذائف. الصيد صار رحلة موت».
تابع أبو شرخ: «المناطق اللي بيقولوا عنها آمنة ما إلها قيمة. كل شيء مدمّر، والمخلفات قذائف ما انفجرت، والمراكب صارت خردة. شاطئ غزة ما عاد مكان للراحة، القمامة مليانة، والحشرات منتشرة، وما عدنا نعرف شكل شاطئ البحر».
محاولات للبقاء
نقيب الصيادين، أحمد جمال أبو حمادة، قال لـ«الأسبوع» إنّه «مع توسّع عمليات الجيش الإسرائيلي، أصبح البحر اختبارًا للحياة والموت». ينبه إلى فاجعة عائلية: «استُشهد والد زوجتي، الصياد حيدر خليل أبو عودة، في البحر بسبب قصف مسيّرة إسرائيلية/ كواد كابتر. واستُشهد عمي بقذيفة دبابة، وأبناء والد زوجتي».

وأكد أن «الاحتلال لا يفرّق بين أحد، الصيادون يُقتلون أو يُعتقلون بشكل شبه يومي. مؤخرًا اعتُقل تسعة صيادين من دير البلح واثنا عشر من غزة، دون معرفة مصيرهم، والبحر شبه مغلق، ما جعل آلاف الصيادين بلا مصدر رزق حقيقي».

واستكمل أبو حمادة: «تجربتي توضّح المأساة، أنا وإخوتي كنّا نملك أربعة مراكب صيد في ميناء غزة، بقيمة 100 ألف دولار. كنّا نصطاد نحو خمسين كيلوجرامًا يوميًا، ونعمل حوالي 200 يوم في السنة، وكان ذلك يكفي لإعالة عشر عائلات تضم خمسين فردًا. كل شيء انتهى. دمره الاحتلال».
نائب رئيس جمعية الصيادين، أمين الصندوق، غانم يوسف صلاح، أشار لـ«الأسبوع» إلى أنه «في 12 أكتوبر 2023، تم تدمير جميع مراسي قطاع غزة كليًا: مدينة غزة، النصيرات، دير البلح، خان يونس، ورفح. أحرقوا جميع المراكب. النزوح الكبير جعل مئات الآلاف ينصبون خيامهم على الشاطئ من الزوايدة إلى المواصي».
وأضاف: «صمت ثقيل على شاطئ غزة، تكدست الخيام على الرمال. أثّر تلوث البحر وضخ مياه الصرف الصحي على نوعية الأسماك وسلامتها البيئية. الوضع الغذائي أصبح كارثيًا. ارتفعت أسعار الأسماك. الأنواع المتوفرة: السردين، البساريا، البوري، الكابوريا، المغازل والكلماري، لكن الحصار يصعّب الوصول إليها».

تكدس النفايات
ميساء قشطة (نازحة، تقيم في خيمة على شاطئ بحر خان يونس) تحدّثت لـ«الأسبوع» عن «البحر الذي أصبح وسيلة اضطرارية للحياة اليومية. نستخدم مياهه في تنظيف الأواني والغسيل وحتى الاستحمام، لأن المياه الصالحة للشرب والحياة نادرة، وحتى عندما تتوفر فهي تتطلّب مبالغ مالية كبيرة وجهدًا لنقلها».
ترى أن «مشكلة النفايات وتسربها إلى البحر تشكّل تحديًا آخر لا يقل خطورة. هناك الكثير منها، والناس يضطرون لدفنها على الشاطئ. الحاويات الموجودة قليلة جدًا، والوصول إليها يستلزم السير لمسافات طويلة، ومع العدد الكبير للنازحين فهي ممتلئة وتفيض القمامة حولها بشكل بشع».

تابعت ميساء: «تنتشر الحشرات والذباب والديدان بسبب إلقاء المخلفات في البحر. كنت أجلس على الشاطئ حين جرف موج البحر سلحفاة بحرية ضخمة ميتة، بدأ الأطفال يلعبون بها، وبعد قليل جاءت إحدى الأمهات وحذّرتهم من لمسها، ثم حضر بعض الرجال وقاموا بدفنها على الشاطئ».

استهداف وتجفيف
تحدث رئيس النقابة العامة للعاملين في الصيد والإنتاج البحري، زكريا بكر، لـ«الأسبوع» عن مأساة شاطئ غزة «قديمة متجددة. الاحتلال كان يمنع إدخال الوقود اللازم لتشغيل محطات معالجة المياه، فكانت تُضخّ مياه الصرف الصحي الملوثة إلى البحر بشكل دائم، ما أثّر مباشرة على الحياة البحرية والساحل».

أشار إلى أن «الأطفال يصابون بأمراض عند المشي قرب الشاطئ، وأصبح نفوق الأسماك مشهدًا مألوفًا. البحر يمتلك قدرة محدودة على التطهير الذاتي لا تتجاوز 500 متر فقط. السنوات الأخيرة شهدت ظهور أنواع خطيرة وغريبة مثل سمك العقارب، والأرنب المخطط والمنقّط، والقرّيمب السام».
أكد بكر أن «البيئة البحرية غير مستقرة تمامًا، وبوادر كارثة بيئية ظهرت خصوصًا في منطقة المصطبة، حيث شهد الشاطئ نفوق عدد من أسماك القِراسة. لم يُعرف بعد ما إذا كان السبب مياه الصرف الصحي أم القذائف اليومية، لكن تأثير القذائف والصواريخ ربما أخطر بكثير».

التدمير البيولوجي
أستاذ العلوم البيئية والبحرية بالجامعة الإسلامية بغزة، د.عبد الفتاح عبد ربه، وصف البيئة البحرية في القطاع قبل الحرب بأنها «غنية ومتنوعة بيولوجيًا»، وأوضح لـ«الأسبوع» أنه «تم رصد أكثر من 150 نوعًا من الأسماك العظمية، وأكثر من 30 نوعًا من الأسماك الغضروفية».

ولفت إلى أن «التلوث البحري بلغ حد الكارثة نتيجة تعطل محطات معالجة المياه، ما أدى إلى تدفق مياه الصرف الصحي إلى الشاطئ دون معالجة. هذا الوضع أثّر على صحة السكان وسلامة الكائنات البحرية. بعض الأسماك تتغذى في البيئات الملوثة، خاصة قرب تراكم الطحالب، ما يزيد المخاطر على المستهلكين».
وأشار عبد ربه إلى أن «التأثير الأكبر يتركز عادة ضمن نطاق كيلومتر واحد من الساحل، حيث تتراجع كثافة الملوثات تدريجيًا مع البعد عن الشاطئ بفعل حركة الأمواج والتيارات البحرية. وقد شهد البحر تفاقمًا واضحًا في تدهور الحياة البحرية بسبب التلوث الناتج عن الحرب».
ونبّه إلى «ثلاثة أنواع مهددة عالميًا من السلاحف البحرية: الخضراء، وضخمة الرأس، وجلديّة الظهر»، و«ثلاثة أنواع من الدلافين: قاروري الأنف، والشائع، والمخطط»، و«ثمانية أنواع من اللافقاريات الصالحة للأكل، منها الحبار، والأقلام، والجمبري، والسلطعونات، وجراد البحر، وبلح البحر، والقواقع، والأخطبوط الشائع».
وأشار عبد ربه إلى أن «الأسماك الغضروفية كالقروش -الماكو، كلب البحر، الرمادي، وأبو مطرقة- كانت جزءًا أساسيًا من التنوع البحري في مياه القطاع، الكثير منها أصبح مهددًا بالانقراض بسبب التدهور الحاد للنظام البيئي، إلى جانب أنواع محلية شهيرة كالسلفوح، والدهنية، والبرشة، والراي الكهربية، والبسة المرقطة».
حرب إبادة
قال المتحدث باسم بلدية خان يونس (أكبر تجمع للنازحين على ساحل غزة)، صائب لقان، لـ«الأسبوع»: «نواجه حرب إبادة جماعية ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي على مدار عامين متواصلين، استهدفت الإنسان والشجر والحجر، ودمرت مقومات الحياة، بما فيها شاطئ غزة، في ظل صمت عالمي مقيت».

وأوضح أن «الوضع الصحي والبيئي متدهور للغاية نتيجة تدمير كامل للبنية التحتية، بما يشمل منظومة المياه والصرف الصحي وجمع وترحيل النفايات وشبكات الطرق وتصريف مياه الأمطار، حيث طفت مياه الصرف الصحي في شوارع المدينة ووصلت حتى شاطئ البحر، وأثرت على الخزان الجوفي».
وأضاف «لقان» أن «المعطيات المتاحة تكشف عن ملوثات عدة: بقايا المخلفات الحربية، والركام الذي يحتوي على نسب عالية من الملوثات البيئية الخطيرة، فضلًا عن مياه الصرف الصحي، والنفايات المتكدسة في المكبات العشوائية، الأمر الذي فاقم الأزمة الصحية والبيئية على السواء».
ونبّه إلى أن «بلدية خان يونس تجمع نحو 450 طنًا من النفايات يوميًا من مخيمات النزوح ومراكز الإيواء»، محذرًا من «تسرب العصارة السامة إلى الخزان الجوفي، وأن استمرار الوضع قد يؤثر على دول حوض البحر المتوسط كافة، ما يتطلب التدخل الفوري من الجهات المعنية الدولية لحماية شواطئ غزة من التلوث».
وفيما يتعلق بالنازحين، أشار إلى أن «منطقة المواصي غرب خان يونس، بمساحة 19 كيلومترًا مربعًا، تضم نحو 900 ألف نازح، رغم أنها غير مؤهلة لاستقبال هذا العدد لافتقارها إلى البنية التحتية والخدمات الأساسية، ما فاقم التلوث نتيجة إلقاء المخلفات والصرف الصحي على الشاطئ، مسببةً انتشار أمراض جلدية وأوبئة».
وأشار إلى أن «تعذر وصول طواقم البلديات إلى المكبات الدائمة ومحطة المعالجة المركزية للصرف الصحي شرق خان يونس، بسبب خطورة تواجد القوات الإسرائيلية واستهدافها المباشر والعشوائي للمدنيين، أدى إلى تصريف مياه الصرف الصحي مباشرة في البحر يوميًا».

وقال «لقان» إن «الاحتلال دمّر محطتين رئيسيتين للصرف الصحي وأكثر من 100 ألف متر طولي من الشبكات الناقلة، ما جعل التلوث يمتد على طول الشاطئ، حيث تجمع البلدية يوميًا نحو 30 طنًا من النفايات من البحر، إضافة إلى الركام الكبير المحتوي على ملوثات حربية».
وأكد «لقان» أن بقايا الأسلحة والقذائف غير المنفجرة تشكل خطرًا كبيرًا على مياه البحر والكائنات البحرية، «إذ تُعَدّ من أخطر الملوثات الحربية التي تؤثر لسنوات طويلة على النظام البيئي، وتسبب نفوق الأسماك وتسممها، بما يهدد صحة الإنسان عند استهلاكها».
قصف مباشر
مسئول قطاع الثروة السمكية بوزارة الزراعة الفلسطينية، المهندس وليد ثابت، أكد لـ«الأسبوع» استشهاد صيادين «نتيجة القصف المباشر للجيش الإسرائيلي أثناء ممارسة مهنتهم، وأن عدد الشهداء في البحر يصل إلى 60 صيادًا، ضمن حصيلة إجمالية تجاوزت 200 شهيد في مجتمع الصيادين».
بحسابات الأرقام، قال «ثابت» إن «إجمالي الخسائر المباشرة في قطاع الثروة السمكية يتراوح بين 100 و110 ملايين دولار، شملت تدمير 200 غرفة صيادين في موانئ غزة وخان يونس ودير البلح والنصيرات لتخزين الشباك والمعدات».

أوضح أن المزارع السمكية في غزة كانت تضم ثلاث مزارع لتربية الدنيس ومفرخين لإنتاج الزريعة بطاقة 600 طن سنويًا، قبل تدميرها بالكامل، ما تسبب بخسائر تقدَّر بنحو 10 ملايين دولار، وأشار إلى أن الحرب انعكست على جودة الأسماك وبيئة الصيد «تراجع الإنتاج من 5000 إلى 220 طنًا فقط».
وأشار إلى أن «غزة كان بها حوالي 1900 حسكة بطول 6.5 متر، إلى جانب 20 لنش جر و75 لنش شنشولة لصيد السردين. جميع هذه الوسائل دُمّرت بالكامل خلال العدوان. الصيادون لجئوا بعد الحرب إلى حسكات مجداف صغيرة بطول متر ونصف المتر، لا يستخدمها سوى شخص أو اثنين».
وأوضح أن «قطاع غزة كان يضم من 4 إلى 5 أسواق دلالة رئيسية، تخدم ما يقرب من 300 تاجر تجزئة، إضافة إلى نحو 300 عامل في مهن مساندة مثل إنتاج الثلج والنقل والنجارة والكهرباء والميكانيكا. جميعها تعطلت بعد تدمير القوارب والمعدات. حاليًا، يعمل سوق واحد محدود النشاط».
تجريف عسكري
مدير عام حماية البيئة في سلطة جودة البيئة (وزارة البيئة الفلسطينية)، بهجت جبارين، قال لـ«الأسبوع»: إن «الشريط الساحلي لغزة تعرض لتجريف عسكري واسع، باستخدام الجرافات والدبابات وأحزمة نارية وقنابل متنوعة، ما تسبب في تلويث مباشر للتربة والمياه الساحلية ببقايا مواد خطرة».
وكشف المسئول في الحكومة الفلسطينية أن «هذه المواد تشمل اليورانيوم المنضب والفوسفور الأبيض، وبعضها قد يكون مشعًا»، وأشار إلى أن «الحرب دمرت 9 محطات رئيسية لمعالجة مياه الصرف الصحي، التي كانت تستقبل نحو 120 ألف متر مكعب يوميًا».

وبحسب «جبارين»، فإن «تعطّل المحطات أدى إلى تسرب كميات كبيرة من المياه غير المعالجة إلى البحر، تسببت في تلوث واسع شمل البيئة البحرية والمياه الجوفية والأراضي الزراعية المحيطة»، منبّهًا إلى أن «إغلاق المكبات وتدمير 85% من معدات جمع النفايات أدى لتراكمها بكثافة، سواء المنزلية أو الصلبة أو الطبية أو الخطرة».
وقال إنها «وصلت إلى الشاطئ وانتشرت البلاستيكيات في البحر. صور جوية وتحليلات أولية أظهرت بقعًا داكنة على مسافة قد تصل إلى 1000 متر من الساحل، نتيجة تراكم الملوثات العضوية والكيميائية، ما يعني تدهور نوعية المياه البحرية، وقد وثّقتها جهات مثل برنامج الأمم المتحدة للبيئة وجامعة كامبريدج».
وأوضح أن «التقييمات الحالية تعتمد على صور جوية وتحليلات عن بُعد، فيما تنتظر الجهات البيئية توقف العدوان فعليًا بعد اتفاق شرم الشيخ في مصر لإجراء مسوحات دقيقة وأخذ عينات من التربة والمياه والنباتات لتحديد حجم الكارثة بدقة».

قال «جبارين» إن بحر غزة كان يضم نحو 350 نوعًا من الكائنات البحرية قبل الحرب، لكنه أصبح شبه خالٍ بعد هجرة معظم الأنواع أو اختفائها، وأوضح أن التلوث يمتد بطول 40 كيلومترًا وعمق كيلومتر، مشيرًا إلى أن كمية المتفجرات التي أُلقيت على القطاع بلغت نحو 110 آلاف طن، أي ما يعادل تسع قنابل نووية.
وأضاف: «أكثر من 50 مليون طن من مخلفات الهدم والردم تدفقت إلى البحر. تحتوي على مواد مسرطنة كالإسبستوس، فضلًا عن تداعيات تدمير 2600 منشأة، بينها مصانع بلاستيكية وكيميائية ومحطات وقود.البيئة البحرية تحولت إلى بؤرة تلوث إقليمي للدول المجاورة مثل إسرائيل ومصر ولبنان وسوريا، وحتى أوروبا».
ولفت «جبارين» إلى «انتقال الملوثات عبر التيارات البحرية. المواد الكيميائية والعناصر الثقيلة لا تتحلل طبيعيًا، وبعضها يبقى نشطًا لمئات أو آلاف السنين، خاصة اليورانيوم-238 واليورانيوم-235، مما يزيد خطر السرطان والتشوهات الجينية».
و«اليورانيوم-238» و«اليورانيوم-235» نظيران مشعّان من عناصر ثقيلة تبقى مستقرة نسبيًا لفترات هائلة، إذ يتحلل كل منهما ببطء شديد مطلقًا إشعاعات مؤينة. تراكمهما في البيئة البحرية يسبب انتقال التلوث عبر السلسلة الغذائية، ما يرفع احتمالات السرطان والتشوهات الوراثية المستمرة.
وبناءً على ذلك، كما يقول جبارين، فإن «تجريف ساحل غزة وقصف محطات المعالجة يمكن إدراجه ضمن ما يُعرف بـ«الإبادة البيئية / Ecocide»، وهي جريمة ناشئة في القانون الدولي تسعى الأمم المتحدة إلى تجريمها ضمن منظومة «المحكمة الجنائية الدولية».
و«الإبادة البيئية» تعني التدمير المقصود أو المفرط للبيئة الطبيعية الذي يهدد حياة البشر والكائنات الحية الأخرى، ويشمل تدمير الموارد والمواطن الحيوية والتلوث الشديد، وتسعى الأمم المتحدة لتجريمها ضمن اختصاص المحكمة المذكورة.
تجريم قانوني
بيئيا، يشير المحامي، القاضي السابق د.أحمد الأشقر، خلال حديثه لـ«الأسبوع»، إلى أن تقارير الأمم المتحدة والهيئات المتخصصة وثّقت أضراراً بيئية جسيمة في غزة، تشمل تلوث السواحل والبحر بتسرب مواد كيماوية ونفايات بناء وعسكرية، وتأثير مباشر على صحة السكان والأمن الغذائي.

ويؤكد أن هذه التقارير تستند إلى أثر بيئي واسع النطاق قابل للقياس والتحقيق، وتطرح تساؤلات جدية حول مدى التزام الأطراف بالقانون الدولي الإنساني، إذ يُعد تدمير البيئة أحد محاور الرقابة القانونية أثناء التخطيط للعمليات العسكرية.
ويصف د.الأشقر هذا الوضع بأنه انتهاك صريح للبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، الذي يحظر استخدام وسائل أو طرق حرب "يُتوقع أن تسبب أضراراً واسعة النطاق وطويلة الأمد وخطيرة للبيئة الطبيعية"، خصوصاً المواد 35(3) و55.
وتشدد هذه المواد على ضرورة مراعاة مبدأي التناسب والضرورة العسكرية، لضمان أن أي هجوم لا يتجاوز الفائدة العسكرية المتوقعة ولا يسبب أضراراً غير مبررة بالبيئة أو المدنيين، حمايةً للقانون الدولي الإنساني، وفق تأكيدات د.الأشقر.
وعن المسئولية الدولية تجاه إسرائيل، التي لم تصدّق على البروتوكول، أوضح د.الأشقر أن أحكام حماية البيئة الدولية أصبحت قواعد عرفية ملزمة لجميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل، حتى بدون التصديق الرسمي، وفق القانون الدولي العرفي.

ويشير د.الأشقر إلى أن التقارير الأممية توضح أن الهجمات الإسرائيلية تسببت في أضرار بيئية "واسعة وطويلة الأمد وخطيرة"، أو استخدمت وسائل معروفة بقدرتها على إلحاق مثل هذه الأضرار، ما يشكل مخالفة لقواعد IHL ويؤسس لمسؤولية جنائية دولية شخصية.
وأكد أن المبادئ العامة للقانون الدولي للبيئة تحث الدول على عدم التسبب بأضرار بيئية كبيرة لدول أو مناطق أخرى، وفرض واجب اتخاذ تدابير احترازية لمنع الأضرار العابرة للحدود، لا سيما أن غزة تقع على البحر المتوسط وسواحل مشتركة.
ويشير د.الأشقر إلى أن التلوث البحري الناتج عن العمليات العسكرية في غزة يصبح ضرراً عابراً للحدود أو ذا أثر إقليمي، مما يعزز التزامات الوقاية والتعويض، ويؤكد ضرورة مساءلة الأطراف عن الأضرار طويلة الأمد، ويضع القاعدة القانونية للمساءلة الدولية البيئية.
تحذير دولي
الممثل الإقليمي للشرق الأدنى في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، عبد الحكيم الواعر، وجه عبر «الأسبوع» تحذيرًا دوليًا «من مستويات غير مسبوقة من التلوث البحري في غزة نتيجة الدمار وانهيار البنية التحتية. تراكم الملوثات بسبب مياه الصرف ومخلفات الحرب يقلل الأكسجين ويقضي على الحياة البحرية».
وأوضح أن «شبكات الصرف الصحي المتعطلة تصرف مياها غير معالجة مباشرة إلى البحر المتوسط، بينما تلوثت الشواطئ بالنفايات الصلبة وحطام الحرب وجثث الحيوانات المتحللة، وأن نحو 1.9 مليون نازح يعيشون في مخيمات ساحلية مكتظة وبدون مرافق صحية، مما يزيد من تسرب الملوثات والمغذيات إلى البحر».

وقال: إن «هذا الضرر البيئي يعمّق أزمة الأمن الغذائي والصحة العامة»، مشيرًا إلى أن «الأسماك، المصدر الحيوي للبروتين، اختفت تقريبًا أو أصبحت باهظة الثمن، وأن الحصار دمّر مصدر رزق آلاف الصيادين، وأدى إلى تفاقم الفقر».
وتطرق «الواعر» إلى «تقييمات ميدانية مشتركة مع البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، كشفت عن أضرار جسيمة في موانئ غزة، لا سيما تدمير ميناء رفح كليًا»، وأضاف أن «الفاو تعمل على تحديث تقييماتها باستخدام صور الأقمار الصناعية لموانئ غزة ودير البلح وخان يونس ورفح».
ونبه إلى أن المنظمة «كوكالة فنية أممية تركز على الأمن الغذائي والزراعة المستدامة، بينما القضايا القانونية الدولية تتبع جهات أممية أخرى». ويعد «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية ومفوضية حقوق الإنسان معنيين بهذا الملف».
أكد «الواعر» أنه «خلال العامين الماضيين تغيرت ألوضاع جذريًا بعد فرض إسرائيل حظرًا شاملاً على الوصول إلى البحر»، وأوضح أن الصيادين تعرضوا لهجمات متكررة في البحر وعلى الشاطئ، وأصبح التقدم لبضع أمتار من الساحل مخاطرة كبيرة، وأن ميناء رفح تحول إلى منطقة عسكرية».

وأشار «الواعر» إلى أن «القيود الإسرائيلية تمنع تقديم دعم طارئ فعال. موظفو الفاو يواصلون العمل لتقييم الوضع مع الصيادين، ويستعدون لتوسيع المساعدات فور ضمان السلامة. من بين الأولويات إصلاح الموانئ، تنظيف حوض ميناء غزة، وإعادة السماح بالصيد على مسافة 6 أميال بحرية كشريان حياة لآلاف الأسر».
وشدد على أن «الوقف المستدام للأعمال العدائية شرط أساسي لتمكين التدخلات البيئية والإنسانية»، مؤكدًا أن «الفاو مستعدة لدعم إصلاح البنية التحتية للصرف الصحي، وتوفير حلول متنقلة لمعالجة المياه، والتخلص من النفايات، إضافة إلى إنشاء مختبرات مؤقتة لرصد التلوث البحري».
أرقام صادمة
بحسب وزارة الزراعة الفلسطينية، «كان عدد الصيادين العاملين نحو 4500 صياد، إضافة إلى 1500 عامل في الخدمات المساندة، موزعين على 300 غرفة صيد على طول الساحل، قبل مصرع أكثر من 200 صياد، وحرمان نحو 5000 صياد وعامل مساند من مصدر رزقهم وتدمير 200 غرفة للصيادين».
وكان أسطول المراكب (الحسكات) يتكون من «2000 مركب، تعرّض أكثر من 1800 مركب للتدمير الكامل. واستهدف العدوان ميناء غزة الرئيسي وخمسة مراسٍ صغيرة كانت تشكل شريان الحركة البحرية، ما جعل العودة إلى ممارسة الصيد شبه مستحيلة».
وتشير الوزارة إلى أن «قطاع الصيد كان يغطّي نحو 40% من احتياجات السكان السمكية، بمعدل استهلاك فردي يقدر بنحو 4 كيلوجرامات سنويًا، كما شكّل الإنتاج السمكي 33% من مجمل الإنتاج الزراعي، ما يعكس مكانة القطاع في معادلة الأمن الغذائي المحلي».
وبلغ إجمالي الإنتاج البحري (وفق بيانات الوزارة) حوالي «4، 913 طن، بقيمة 21، 188، 429 دولارًا، أسهم الاستزراع السمكي بنسبة 28% من الإنتاج عبر خمس مزارع (دنيس وقاروص) بواقع 600 طن سنويًا، بقيمة 5، 940، 000 دولار، لكن العدوان تسبب في خسائر فادحة شملت عائدات التصدير 14.9 مليون دولار».
بعد هذه المعطيات، يتأكد أن العدوان لم يستهدف البنى التحتية فحسب، بل قضى على مصدر رزق وحياة شريحة واسعة من سكان غزة، وفي المساء، حين يهبط الغروب على الساحل الملوّث بالصمت، يبقى البحر هناك، شاهدًا لا ينطق، يردّد في تموّجه السؤال نفسه: «كيف تحوّل من حضنٍ للحياة إلى قبرٍ مفتوح؟».
0 تعليق