نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اقتصاد بلا ساعة: العالم يتجه إلى العمل بالإنجاز لا بالوقت - تواصل نيوز, اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 08:27 صباحاً
يشهد العالم اليوم تحولاً متسارعاً من ثقافة "العمل بالوقت" إلى فلسفة "العمل بالإنجاز"، بحيث أصبحت القيمة المضافة أهم من عدد الساعات المنجزة. في الاقتصادات المتقدمة، تبنّت شركات كبرى مثل "غوغل" و"مايكروسوفت" و"سايلزفورس" أنماط عمل مرنة، تتيح تقسيم اليوم إلى فترات متقطعة وفق طبيعة المهمات، ما يمنح العامل حرية تنظيم وقته وتوزيع جهده على مدار اليوم. وأثبتت تجربة شركة "سايلزفورس"، من خلال مبادرتها "Success from Anywhere" أن المرونة في الوقت لا تعني تراجع الإنتاجية، بل ارتفاعها بنسبة 18% وفق تقاريرها لعام 2024.
في المملكة المتحدة، أُقرّ في 2023 قانون "العمل المرن"، الذي يُتيح للموظف تعديل ساعات عمله لتلائم حياته الشخصية، بينما اعتمدت ألمانيا منذ 2022 سياسة "المرونة الزمنية"، وطبّقت السويد تجربة "اليوم بست ساعات عمل"، فارتفعت الإنتاجية 25%. كما أطلقت اليابان مبادرة "إصلاح أسلوب العمل" لتقليل الإنهاك وتحسين الأداء، وتمضي سنغافورة نحو خطة وطنية للعمل المرن لجذب الكفاءات العالمية.
تُشير تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي 2025 إلى أن 73% من الشركات الكبرى تخطط لاعتماد نماذج العمل المرن أو المتقطع بحلول 2026، فيما تتوقع "غارتنر" أن يعمل ربع موظفي العالم وفق هذا النمط خلال ثلاث سنوات. تعكس هذه الاتجاهات صعود ما يمكن تسميته "اقتصاد الإنجاز"، بحيث يُقاس الأداء بالنتائج لا بالوقت.
في الشرق الأوسط، تتقدّم الإمارات والسعودية والبحرين عبر مبادرات "العمل الذكي" التي تركّز على تحقيق الإنجاز بدلًا من مراقبة الحضور، مواكبةً للتحولات العالمية في بنية أسواق العمل الجديدة التي تعتمد على الكفاءة والمعرفة كمحركات رئيسية للنمو.
يحمل هذا النموذج فرصاً واعدة للعالم العربي، خصوصاً في القطاعات المعرفية والإبداعية. فالإمارات والسعودية تقودان تحولاً نوعياً نحو اقتصاد رقمي مرن تدعمه تشريعات حديثة، بينما يمكن لبنان أن يكون ساحة خصبة لتجربة هذا التحول، في ظل تحديات النقل والطاقة. ويمكن تطبيق هذا النموذج أن يعزّز كفاءة رأس المال البشري، ويزيد مشاركة النساء في سوق العمل، شريطة أن ترافقه أطر قانونية واضحة وآليات تقييم تقوم على المخرجات، لا على عدد الساعات.
على مستوى الاقتصاد التشغيلي، لا يقلّل "المايكروشيفتينغ" حجم النشاط بقدر ما يُعيد توزيعه. فهو يخفّض النفقات التشغيلية على المكاتب والطاقة والنقل، لكنه يوسّع الاستثمار في التقنيات الرقمية والبنية السحابية، ما يخلق دورة تشغيل جديدة أعلى كفاءة، تعتمد على كثافة الأداء لا المكان. ومع توسّع هذا الاتجاه، سيزداد الطلب على أدوات الذكاء الاصطناعي وإدارة الأداء الذكية، بما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد الكلي، ويمنحه مرونة أعلى واستدامة طويلة المدى.
ورغم مزاياه، فإن نجاح هذا النمط عربياً يواجه تحديات تتعلق بثقافة الحضور المادي، وغياب تشريعات تربط الأجر بالأداء، وضعف أدوات القياس الرقمية، إلى جانب الخشية من فقدان الانضباط في بيئة غير مراقبة زمنياً. مع ذلك، تظهر مؤشرات نجاح في المنطقة، إذ بدأت حاضنات مثل "Hub71" في أبوظبي و"مركز دبي للمستقبل" بتطبيق فلسفة العمل بالموجات القصيرة، كما أطلقت السعودية برنامج "العمل الذكي"، فيما يشكّل Beirut Digital District في لبنان نموذجاً واعداً لتجريب العمل المرن في القطاعات التقنية والإبداعية.
ليس نظام "المايكروشيفتينغ" مجرد أسلوب لتنظيم الوقت، بل هو انعكاس لتحول حضاري نحو اقتصاد الإنجاز، بحيث يصبح الوقت مرناً والابتكار هو المعيار الحقيقي للإنتاجية. ومع ذلك، يبقى السؤال مفتوحاً: هل تمتلك بيئات العمل العربية المرونة والثقة الكافيتين لاحتضان هذا الاقتصاد الجديد، بلا ساعة؟
0 تعليق