خطاب ترامب في الكنيست: حين يتحوّل الألم الإنسانيّ إلى رصيدٍ سياسيّ. - تواصل نيوز

منوعات 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خطاب ترامب في الكنيست: حين يتحوّل الألم الإنسانيّ إلى رصيدٍ سياسيّ. - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 11:45 صباحاً

تواصل نيوز - جو 24 :

 

لم يكن خطاب دونالد ترامب في الكنيست الإسرائيلي مجرّد مناسبة بروتوكوليّة، ولا موقفًا سياسيًّا عابرًا، بل بدا أقرب إلى مشهدٍ مسرحيّ مُتقن الإخراج، هدفه الأوّل والأخير هو الاستثمار في التّعب الإنسانيّ والأخلاقيّ الذي خلّفته حرب غزة، من أجل بناء رصيدٍ شخصيّ وسياسيّ يعيد إليه ما خسره في السنوات الأخيرة.

ترامب، الذي يُدرك، جيّدًا، لغة الصورة والرأي العام، تحدّث وكأنّه رجل المرحلة الذي خرج من بين رماد الحروب ليُقدّم نفسه منقذًا للعالم من دوّامة الدم. لم يتحدّث عن مأساة غزة باعتبارها جرحًا مفتوحًا في الجسد الإنساني، بل باعتبارها فرصةً سانحة لتظهير ذاته في هيئة رجل السلام الذي "يعرف كيف يُنهي الصراعات" ويعيد "العدالة إلى الشرق الأوسط".

من الواضح أنّ الرئيس الأميركي، بخلفيّته التجارية والسياسيّة المعروفة، لا يرى في المآسي سوى مناسباتٍ لتسويق الذات. فحين يتحدّث عن السلام، فإنّه يتحدّث عنه ك "صفقة"، وحين يتناول الحرب، فإنّه يراها ساحةً لتعديل موازين الربح والخسارة السياسيّة. ولعلّ أكثر ما يشي بذلك هو إشادة الحكومة الإسرائيلية ومعها المعارضة به بعد الخطاب، حتى إنّ أحد أبرز قادة المعارضة قال له صراحة: "ليس من العدل ألا تكون أنت الفائز بجائزة نوبل للسلام”.

هذا الثناء المتبادَل لم يكن مجرّد مجاملةٍ دبلوماسيّة؛ بل هو تعبير عن التقاء مصالحٍ عميق. فإسرائيل بحاجةٍ إلى غطاءٍ أميركيّ يُعيد إليها شرعيةً اهتزّت بعد المجازِر الإياديّة في غزة، وترامب بحاجةٍ إلى إنجازٍ رمزيّ يُرمّم صورته أمام الداخل الأميركي والعالم. كلاهما وجد في الآخر مرآةً يُعيد فيها بناء شرعيّته المفقودة.

وفي العمق، يمكن القول إنّ ترامب لم يتعامل مع حرب غزة كقضيةٍ إنسانيّة تستحق موقفًا أخلاقيًّا، بل كمنجمٍ للفرص السياسيّة. فالعالم اليوم يعيش إرهاقًا أخلاقيًّا حقيقيًّا. الناس تعبوا من صور القتل، والإعلام من تكرار النكبات، والدول من كلفة الانحيازات. في هذا السياق، يظهر ترامب ليقول: "أنا الوحيد القادر على إيقاف هذا الجنون". لكنّ ما يقوله لا يصدر عن ضميرٍ متألم، بل عن عقلٍ تجاريّ يعرف كيف يحوّل التعب الجماعي إلى رأسمالٍ سياسيّ شخصيّ.

نعم، لم يُمنَح ترامب جائزة نوبِل لهذ العام. لكن، قد تُمنَح له يومًا ما، وقد لا تُمنح. لكن، المؤكّد أنّه يعمل عليها بخطابٍ مدروس، وبمسرحٍ مكتمل العناصر: حرب دامية، إسرائيل مدينة له، ومجتمع دوليّ يبحث عن مخلّصٍ رمزيّ. وما بين هذا وذاك، يظلّ السؤال الأخلاقي معلّقًا:

هل يمكن حقًا تحويل الألم الإنساني إلى وسيلةٍ لربحٍ سياسيّ؟

ترامب يبدو مقتنعًا بذلك، والكنيست منحه تصفيقًا يُغذّي هذا الاقتناع.

في نهاية المطاف، لا يمكن فصل خطاب ترامب في الكنيست عن سياقٍ أوسع من التحوّلات الأخلاقيّة في السياسة الأميركيّة والعالميّة. فالعالم الذي اعتاد أن يرى في الولايات المتحدة مرجعًا للقيم، بات اليوم يشهد زعماءها وهم يوظّفون المأساة الإنسانيّة كوسيلةٍ للظهور الإعلاميّ أو لبناء مجدٍ انتخابيّ. وترامب، في هذا المشهد، ليس استثناءً بل تجسيدًا فاضحًا لهذه الانزياحات: رجلٌ يحوّل وجع غزة إلى سلّمٍ يصعد عليه نحو جائزة نوبل، ويجعل من الكنيست منصّةً لغسل الضمير الأميركيّ المرهق. إنها مفارقة الزمن الحديث. حيث تُستثمر دماء الأبرياء لتلميع صورة السياسيّ، ويُصنع "السلام" من رمادٍ لم يبرد بعد.

قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : خطاب ترامب في الكنيست: حين يتحوّل الألم الإنسانيّ إلى رصيدٍ سياسيّ. - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 11:45 صباحاً

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق