نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
جثث تحت الركام .. ذريعة نتنياهو الجديدة لخنق غزة وإفشال الاتفاق - صحيفة تواصل, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 03:43 مساءً
لم تكن الأضواء التي سلطت على حفل استقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في القدس المحتلة، ولا الهتافات المُصمِّتة لصوت التناقضات، سوى غطاء زائل لاتفاق هشّ. لم يكد رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ينهي احتفالات الاستقبال، ويحتفي بـ"عفو" ضيفه السياسي الذي هدأ مؤقتاً غضب المعارضة الداخلية، حتى شرع في تفكيك التزاماته في اتفاق غزة، مبطشاً بأدوات الحصار ليعيد القطاع إلى مربع الاشتباك والموت.
وبخلاف التوقعات، لم ينتظر نتنياهو طويلاً. فبعد أيام فقط من المصافحات والخطب، شنّ انقلابه العملي على الاتفاق، متخذاً من قضية تسليم جثث القتلى من الأسرى ذريعةً مثالية. جاءت الإجراءات سريعة وحاسمة: إغلاق معبر رفح، وتخفيض شاحنات المساعدات من 600 إلى النصف. لكن هذه الخطوات كانت مجرد رأس حربة لاستراتيجية أوسع، تهدف إلى فرض "قواعد اشتباك" جديدة تمنح "دولة الكيان الصهيوني" حق النقض (الفيتو) ضد أي تمديد لوقف إطلاق النار في المستقبل. إنها محاولة واضحة لتحويل الاتفاق من جسر للهدنة إلى سيف مسلط على رقبة غزة، يستغل ورقة إنسانية حساسة لتحقيق مكاسب سياسية وأمنية دائمة، وأبرزها التمهيد لخروج مبرّر لاحقاً من أي التزامات.
وفي مواجهة هذه الذرائع، تبرز حقيقة مأساوية تفضح حجم الكارثة الإنسانية في غزة. فالمصادر الأممية تؤكد أن استخراج جثث الأسرى، شأنها شأن آلاف الجثث الفلسطينية، مهمة مستحيلة في الأمد القريب. هؤلاء يرقدون تحت ركام الأبنية التي دمرها القصف الصهيوني البربري، والذي لم يتردد ترامب نفسه في التباهي بتقديم أطنان المتفجرات لتنفيذه.
هنا يطفو التناقض الصارخ على السطح: فبينما يشترط الجانب الصهيوني تسليم الجثث لاستمرار الاتفاق، فإن هذه الجثث نفسها تقبع تحت أنقاض حربه. الوصول إليها يتطلب عمليات إنقاذ معقدة ومعدات ثقيلة لرفع ملايين الأطنان من الركام، وهي عملية لن تتم بين عشية وضحاها، مما يحوّل هذا الشرط الإنساني إلى "مسمار" مدفوع بعناية في نعش الاتفاق الهش.
وفي واشنطن، يبدو أن الرئيس ترامب يدرك أن عقبة "نزع سلاح المقاومة" هي العقدة الحقيقية التي قد تقوض خطته برمتها. وتكشف تهديداته العلنية باللجوء إلى "الحل بالقوة" عن إدراكه لاستحالة القبول الطوعي، لكنها في الوقت ذاته تزيد الوضع اشتعالاً.
ويكمن مأزق ترامب في أن المقاومة قد تكون مستعدة لمناقشة ملف السلاح، ولكن ليس في الفراغ؛ بل فقط في سياق ربطه بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة. هذا الربط، الذي قد يحظى بدعم عربي وإسلامي واسع، يضع ترامب ونتنياهو في زاوية ضيقة: فالقبول به يعني تفكيك ركيزة أساسية من ركائز "الأمن الصهيوني" المتصور، بينما الرفض يعني إفشال الاتفاق من جذوره، وتحويل التهديدات الأمريكية إلى وعود جوفاء.
ولمواجهة هذا التعقيد، يسرع ترامب إلى الترويج لفكرة تشكيل "مجلس وصاية" دولي لإدارة غزة، بمعاونة مجلس مدراء فلسطيني من التكنوقراط. لكن هذه الخطة تصطدم فوراً بجدار من التريث والتحفظ العربي. فزعماء الدول العربية والإسلامية، بما فيهم الشركاء الأساسيون في الوساطة مثل مصر وقطر وتركيا، وكذلك السعودية، يجدون أنفسهم في مأزق حقيقي.
هم يدركون أن الانضمام إلى هذا المجلس، من دون أن تكون "تهيئة الظروف لقيام الدولة الفلسطينية" جزءاً أساسياً وصريحاً من مهامه، هو مغامرة سياسية لا تُحتمل. إنه سيشبه في نظر شعوبهم المشاركة في تدويل الحصار على غزة بدلاً من العمل على إنهاء الاحتلال. وفي المقابل، لا يستطيع ترامب إدراج هذه المهمة في ولاية المجلس دون أن يوجه ضربة قاصمة لشريكته "دولة الكيان الصهيوني" ولحليفه نتنياهو، الذي أسست حكومته على رفض قيام دولة فلسطينية.
وهكذا، تتداخل المآسي الإنسانية مع تعقيدات السياسة في مشهد غزة المرير. جثث الشهداء، أسرى ومدنيين، تتحول من ذاكرة حية للظلم إلى أوراق مساومة في لعبة أكبر. تهديدات ترامب بالقوة تتصادم مع واقع جغرافي وسياسي لا يعترف بالحلول العسكرية السهلة، بينما يتبخر حلم مجلس الوصاية الأمريكي أمام رفض عربي للانخراط في عملية سلام مفرغة من جوهرها السياسي. يبدو أن اتفاق غزة، الذي ولد تحت أضواء إعلامية ساطعة، يسير نحو مصير مظلم، محكوماً عليه بالانهيار تحت وطأة التناقضات التي حاولت خطابات الاستقبال في القدس إخفاءها. المعبر مغلق، والمساعدات منقوصة، والجثث تحت الركام، والسلاح لا يزال هو السؤال الأصعب. وفي قلب هذه الدائرة المفرغة، تبحث غزة، مرة أخرى، عن بصيص أمل يخترق حصارها الخانق، وحصار السياسة العاجز.
باحث ومخطط استراتيجي
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : جثث تحت الركام .. ذريعة نتنياهو الجديدة لخنق غزة وإفشال الاتفاق - صحيفة تواصل, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 03:43 مساءً
0 تعليق