هروب المريوطية بين الإهمال والتجارة.. الفراغ التشريعي فرصة الدولة لإصلاح عاجل - تواصل نيوز

صوت الامة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
هروب المريوطية بين الإهمال والتجارة.. الفراغ التشريعي فرصة الدولة لإصلاح عاجل - تواصل نيوز, اليوم الاثنين 29 ديسمبر 2025 09:58 صباحاً

كشفت واقعة الهروب الجماعي لعشرات النزلاء، من إحدى مصحات علاج الإدمان بمنطقة المريوطية، عن أزمة أعمق من مجرد مخالفة قانونية لمنشأة غير مرخصة، إذ أعادت طرح سؤال ملح حول الفراغ التشريعي والتنظيمي الذي سمح بانتشار كيانات تعمل تحت مسمى "العلاج"، خارج أي رقابة طبية أو إنسانية، فبين تزايد أعداد الراغبين في التعافي من الإدمان، ومحدودية الطاقة الاستيعابية للمصحات التابعة للدولة ووزارة الصحة وصندوق مكافحة وعلاج الإدمان، نشأت سوق موازية استغلت حاجة المرضى وأسرهم، وقدمت نفسها كبديل سريع، دون التزام بالمعايير أو الضوابط، ما أثار موجة واسعة من القلق، وفتح نقاشا جاد، حول الواقع القانوني والتنظيمي لمراكز علاج الإدمان غير المرخصة، فقد دلت الحادثة على وجود فجوة كبيرة، بين الحاجة المتزايدة إلى علاج الإدمان وبين محدودية الطاقة الاستيعابية للمصحات الرسمية سواء الخاصة أو الحكومية أو المراكز التابعة لوزارة الصحة، وهو ما فتح المجال أمام انتشار منشآت خاصة تعمل بلا ترخيص، معرضة المرضى للخطر ومهددة للمجتمع من منظور صحي وأمني، خاصة أن الصور والفيديوهات المتداولة للحظات فرار النزلاء من المصحة، بعد كسر الأبواب والنوافذ، أظهرت تعرضهم لسوء المعاملة ونقص الغذاء وظروف غير الإنسانية، مما يجعل هذه الظاهرة أكثر من مجرد حادثة فردية لمكان غير مرخص، بل انعكاسا لثغرات كبيرة في الرقابة والتشريع.

 

وتعكس التحركات السريعة للحكومة ممثلة في وزارة الصحة، بإغلاق المصحة المزعومة، وإحالة القائمين عليها إلى النيابة العامة، إدراك الدولة لخطورة الظاهرة ووعيا بخطورتها، لكنها تبقى معالجة جزئية لا تعالج جذور المشكلة ولا تمنع تكرار الأزمة، حيث لا يزال فتح مصحات خاصة دون ترخيص يتم التعامل معه كمخالفة إدارية، رغم مخاطره الصحية والأمنية والانتهاكات الجسيمة لحقوق المرضى، ما يستدعي سن تشريعا صارما، يجرم هذا النشاط باعتباره شكلا من أشكال ممارسة الطب دون ترخيص، ووضع عقوبات رادعة تشمل الحبس والغرامة والمصادرة والمنع الدائم من مزاولة أي نشاط طبي، مع تعريف واضح وشامل لمفهوم مصحة العلاج، للتصدي لأي تحايل أو التهرب من القانون، كما أصبح من الضروري وضع سجل وطني موحد للمصحات المرخصة، يمكن للجمهور التأكد منه، مع إنشاء خط ساخن للإبلاغ عن المخالفات، وتفعيل لجان تفتيش مشتركة لضمان الالتزام الكامل بالمعايير الطبية والإنسانية.

 

وفي المقابل، يبرز احتياج واقعي إلى توسيع مظلة العلاج، لا يمكن تجاهل الفرصة المتاحة لتوسيع مظلة العلاج بشكل آمن ومنظم، بما يتيح للقطاع الخاص الراغب في المشاركة فرصة مشروعة ضمن إطار الدولة، وهو ما يفرض التفكير في حلول تشاركية، لا تقصي القطاع الخاص، بل تخضعه للعمل تحت مظلة موحدة للدولة.

 

ومن هنا، تبرز أهمية تبني نموذج "اتحاد تعاوني وطني"، لمنشآت علاج الإدمان، يعمل بالشراكة مع الدولة وتحت إشرافها المباشر، ويخضع للإشراف الصارم من وزارة الصحة وصندوق مكافحة وعلاج الإدمان، يلتزم باتباع البروتوكولات العلاجية المعتمدة وضبط الأسعار، وتخصيص نسب إلزامية للعلاج المجاني أو منخفض التكلفة أو بأسعار رمزية، مقابل منح التراخيص وتسهيلات فنية ودعم رقابي للمصحات المشاركة أو الراغبة في التأسيس.

 

وتؤكد هذه الأزمة، أن معالجة الإدمان ليست مسؤولية وزارة الصحة وحدها، بل تتطلب استراتيجية شاملة تشمل التشريع الصارم والرقابة الفعلية، وتنظيم الشراكة مع القطاع الخاص، بما يحمي المرضى ويضمن عدم تحول حاجتهم للتعافي إلى سوق مربحة بلا ضوابط، ويؤكد التزام الدولة بحماية المجتمع من أخطار هذه الظاهرة، خاصة، أن تنظيم هذا القطاع لم يعد ترفا تشريعيا، بل أصبح ضرورة تمس الأمن الصحي والاجتماعي، فالدولة التي خاضت معركة كبرى ضد الإرهاب، مطالبة اليوم بأن تحسم معركة موازية لا تقل خطورة حقيقية ضد الإدمان، لمنع تحويل التعافي إلى تجارة رابحة على أجساد المحتاجين للتعافي، وحماية المرضى من الوقوع بين ضعف الحاجة وفوضى السوق.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق