في الشرق الأوسط لا شيء "أدوِم" من حلٍّ موقّت - تواصل نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
في الشرق الأوسط لا شيء "أدوِم" من حلٍّ موقّت - تواصل نيوز, اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 06:33 صباحاً

ليست تلك جملة إنشائية بقدر ما هي وصفٌ لآلية عمل الإقليم: أزمات تُدار على جرعات، وهدنات لا تعدو أن تكون جسوراً نحو الأزمة المقبلة. ومع اقتراب عام 2026، يبدو الشرق الأوسط عالقاً بين خيارين مقلقين: احتواءٌ هشّ وتهدئات قصيرة للصراع، أو تصعيدٌ مخفوض الشدة، قد ينقلب إلى مواجهة أوسع عند أول لحظة سوء تقدير.

ثمة مقاربتان خطرتان: فيما يبدو بعض التحديات مجرد تفاصيل محلية، إلا انها مؤشرات على اتجاهات إقليمية شاملة. 

في لبنان، لا تُختبر الهدنة الجنوبية وحدها، بل تُختبر فكرة الدولة ذاتها: هل تستطيع احتكار القرار الأمني، وفتح نافذة لإعادة الإعمار، وبناء شرعية عبر إصلاح مالي ومؤسساتي، في حين يهدد أي حادث على خط التماس بنسف "التعافي"، وأي تعثر في الإصلاح بإعادة البلاد إلى دوامة الركود والزبائنية؟

 

دورية للجيش اللبناني في قرية العديسة المدمرة، عقب انسحاب القوات الإسرائيلية، 18 فبراير 2025. (أ ف ب)

دورية للجيش اللبناني في قرية العديسة المدمرة، عقب انسحاب القوات الإسرائيلية، 18 فبراير 2025. (أ ف ب)

 

في سوريا، حيث المرحلة الانتقالية مثقلة بالأسئلة، تتنافس ثلاث مهمات كبرى على الأولويات: شرعية سياسية توافقية، ضبط الأمن الوطني ومكافحة التطرف، وإطلاق التعافي. هنا أيضاً، يميل "الموقت" إلى الاستدامة: مؤسسات بلا ثقة، أمن بلا مساءلة، وتمويل بلا شفافية، أو، في أفضل الأحوال، مسار بطيء يختبر صبر الناس قبل أن يختبر صبر المانحين.

ليست هذه "الحالات" هامشية ولا محلية، إنها مختبرٌ لما يواجه المنطقة كلها: ضغط اقتصادي متكرر، كتلة شبابية واسعة تتسع توقعاتها، وتحولات مناخية تُفاقم ندرة الموارد وتزيد تكلفة أي اضطراب. وبين دولةٍ مثقلة بالأعباء ومجتمعٍ يطلب فرصاً وخدمات، تتآكل الشرعية حين تُستبدل السياسات العامة بالخطابة، وحين تُدار الأزمات بصفتها قدراً، لا خياراً.

وما دامت الصراعات في المنطقة لم تنتهِ بتوقيعٍ صلح نهائي أو "نصر" حاسم، يدور الإقليم في حلقات مفرغة، يتبدل الوسطاء، وتتغير القواعد، وتتحرك الحوافز مع تغيّر العقوبات وأسعار الطاقة وانخراط القوى الكبرى. 
لذلك يتأرجح الشرق الأوسط بين ثلاثة توازنات عامة: توازن تعاوني (تهدئة قد تتحول لترتيب سياسي واقتصادي إقليمي)، وتوازن صراعي (حروب بالوكالة وردود دورية يتغذى بعضها من انعدام الثقة)، وتوازن تفكك بنيوي (تآكل الدولة وصعود فاعلين محليين وتنازع الشرعية على الأرض).

والأخطر أن الانتقال بين هذه التوازنات لا يحتاج دائماً إلى قرارات استراتيجية كبيرة، فيكفي أحياناً حادثٌ منفرد، أو انتخابات مرتبكة، أو "إشارة" خاطئة من لاعب كبير كي تختل الحسابات وتنهار تهدئةٌ كانت تُعرض بصفتها بوابة للاستقرار.

 

أكراد يحملون أعلام قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري الجديد خلال احتفال في مدينة القامشلي بسقوط نظام الأسد. (أ ف ب)

أكراد يحملون أعلام قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري الجديد خلال احتفال في مدينة القامشلي بسقوط نظام الأسد. (أ ف ب)

 

عقدتان على السطح… ومأزق تحته
على السطح، تتمحور العقدة الأولى حول إسرائيل – إيران وما يتفرع عنها من وكلاء وخطوط ردع وعتبات اختبار. العقدة الثانية هي غزة كاختبار مباشر لقدرة الديبلوماسية على تحويل هدنة تُدار بلا مسكنات إلى ترتيب قابل للحياة.

لكن، تحت هذا السطح الصاخب يتقدم مأزق أشد حسماً: الشرعية والسيادة في اقتصادٍ متقلب ومجتمعٍ صارت ترتفع مطالبه الاجتماعية. وحيثما تضيق هوامش الدولة، تتصاعد الاحتجاجات إثر كل موجة تضخم أو تراجع إيرادات أو تدهور خدمات، ليميل النظام السياسي إلى التشدد دفاعاً عن نفسه، بدلاً من الإصلاح البنيوي؛ اذ لا يزال الإقليم يكافئ التشدد الشعاراتي ويقمع المنطق السياسي. 

واشنطن وإشاراتها: نفوذٌ بلا ضمانات
وسط استقطاب داخلي ودورات انتخابية ضاغطة، تحاول الولايات المتحدة، الجمع بين هدفين: ضبط الانفلات الإقليمي والحفاظ على النفوذ. لذا تلجأ إلى "إشارات" متكررة: دعمٌ عسكري لحليف، ضغطٌ ديبلوماسي في ملف، أو فتح مسار تطبيع في ملف آخر.

لكن الإشارات وحدها لا تصنع التزاماً. فحين يشعر الفاعلون بوجود فجوة بين الخطاب والتنفيذ، يتحوّطون ببدائل متناقضة: مزيد من التسلّح، تفاهمات جانبية، أو تصعيد محسوب لتحسين شروط التفاوض. وتاريخ المنطقة مليء بلحظات انفجار سببها قصور التنفيذ عن تحقيق الوعود، لتصبح السياسة الأميركية جزءاً من عدم اليقين، إذ يُقرأ كل تذبذب في واشنطن بصفته دعوة لرفع منسوب الردع، أو البحث عن تفاهمات بديلة.

 

تظاهرة في إيران دعماً للنظام بعد الغارات الإسرائيلية والأميركية. (أ ف ب)

تظاهرة في إيران دعماً للنظام بعد الغارات الإسرائيلية والأميركية. (أ ف ب)

 

في المقابل، تستمر إيران وإسرائيل، باختبار عتبات الطرف الآخر. وفيما تعيد إيران ترتيب أولوياتها وترميم ردعها وإدارة تكلفة العقوبات، فانها تميل إلى مقاربة جديدة لردعها القومي. لكن استمرار إيران في "الغموض الاستراتيجي" يفتح الباب مشرعاً أمام سوء التقدير، في بيئة مشبعة بالوكلاء. 

أما إسرائيل فتواجه في موازنة معضلة ثلاثية: بين السياسة الداخلية، ومتطلبات الشراكة مع واشنطن، والحسابات الإقليمية. وفيما تحكم العقل الاسرائيلي مقاربة أمنية ضيقة، يشجع منطق القوة وحدة الخصوم المتوجسين، لتتحول مكاسبها التكتيكية إلى أثمان استراتيجية مكلفة. 

فلسطين والعراق: سؤال في القدرة على القرار
في فلسطين، يضيف الانقسام وتعقّد شروط التمويل وتدهور البيئة الأمنية عناصر جديدة إلى مأزق قديم: فرص تتكرر ثم تضيع، ومساحة تفاوض تتقلص كلما تأخر توحيد القرار أو بناء مسار سياسي قادر على الصمود.

من جهته، يقف العراق عند مفترق مألوف: تكريس السيادة ومركزية القرار، أو استمرار ازدواجية القرار بما يرفع احتمال الانفلات الداخلي، ويطيح فرص الاستقرار. 

اقتصاد السياسة: منتجون وريعيون 
من حيث المبدأ، الدولة العقائدية فاسدة وفاشلة بالتعريف! وما لم يعد ممكناً فصل الأمن عن الاقتصاد السياسي، فالشرعية تحتاج إنفاقاً ذكياً، والتهدئة من دون أفق معيشي تتحول إلى "جمود هش". 

فيما لا تزال المنطقة تعاني نقاط ضعف بنيوية: اعتماد مالي على الطاقة، ضغوط الديون والميزانيات، وارتفاع التوجس الاجتماعي الداخلي، ليتحول الصراع الاقتصادي السياسي بين اتجاهين: قوى منتجة تبني قيمة مضافة وتوسع فرص العمل وتحتاج حكم قانون ومؤسسات مستقرة، وقوى ريعية/طفيلية عقائدية تعيش على الاحتكار والوساطة والزبائنية، وتجد في الاضطراب فرصة، وفي الإصلاح تهديداً.

مقاتلون حوثيون في اليمن. (أ ف ب)

مقاتلون حوثيون في اليمن. (أ ف ب)

 

ثلاثة سيناريوهات
يمكننا، إذن، تصوّر ثلاثة سيناريوهات لعام 2026:
1. احتواء الصراع ونمو أكثر شمولاً، شرطه انخراط دولي ثابت، وترجمة التهدئات إلى ترتيبات تنفيذية، وفتح نوافذ اقتصادية تجعل السلام مربحاً.

2. التصعيد والتفكك، بدءاً بانهيار تهدئة المواجهة بالوكالة وتوسعتها، وصولاً لتآكل الشرعية وارتفاع تكلفة المعيشة وتراجع الثقة واتساع دور الفاعلين غير الدولتيين.

3. استقلالية إقليمية مع مشاركة انتقائية، تنويع شراكات وتقليل الاعتماد الأمني على الخارج وصفقات محدودة، مع مخاطر علية من سوء التنسيق وكثرة الوسطاء وغياب "حَكَم" نهائي عند الأزمات.

في النهاية، ليس عام 2026 عنوانا لـ "حرب قادمة" ولا لـ "سلام مضمون"، إنما هو ساحة للعبة المكاسب والتهديدات، طالما غابت النخب السياسية الجديرة، لتقوم بتضحيات وخيارات واعية وسياسات تعيد بناء الشرعية من بوابة الشعب والديموقراطية، لا من بوابة الاستقطاب العقائدي، ستبقى المنطقة ساحة للهشاشة والفشل والصراع. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق