نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
اتجاهات الذكاء الاصطناعي في 2026… ماذا بعد؟ - تواصل نيوز, اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 07:13 صباحاً
عمر العلايلي*
منذ أن اجتاح "تشات جي بي تي" (ChatGPT) مشهد التِّقَانة العالمي، والذكاء الإصطناعي يتقدَّم في تسارعٍ غير مسبوق، مُحْدِثاً طفرات نوعية في سائر المجالات التطبيقية، من حيث الإنتاجية والأَتْمَتَة والإتخاذ العاجل للقرارات، على سبيل المثال لا الحصر، وصولاً الى إعادة تشكيل اقتصادات الدول، بل بنية المجتمعات الإنسانية ذاتها. وليس من قبيل المبالغة إذا زعمنا أن الذكاء الإصطناعي، في نُمُوِّه المتصاعد في متوالية هندسية، قد قلب العالم رأساً على عقب مبشراً بثورة صناعيةٍ خامسة.
إلا أن هذا التطور للذكاء الإصطناعي لا يَتَأَتَّى من دون تكلفة باهظة؛ إذ تسبَّب هذا النمو بخلق أزمة موارد عصيبة، وصفها كاتبا مقالٍ نشر في الأول من كانون الأول/ديسمبر على موقع المنتدى الإقتصادي العالمي، بـ(AI-Energy Nexus)، إذ يعتمد التقدم الكبير لهذه التكنولوجيا على استهلاكٍ هائلٍ للطاقة والمياه، وما يعرف بالمعادن الحَرِجة أو الأساسية. قارب الإنفاق العام على الذكاء الإصطناعي 1.5 تريليون دولار في 2025، ومتوقع أن يصل إلى تريليونين في 2026. وما يغذي هذا الإنفاق الهائل ويدفعه عوامل عدة لعل أهمها السباق نحو التسلح بالذكاء الإصطناعي (AI Arms Race) الذي بات امراً واقعاً لا مراء فيه. أما من حيث استهلاك الطاقة، فبحسب Gartner، يُقدر حجم الطاقة المستهلك في 2025 لخدمة قطاع الذكاء الإصطناعي 93 تيراواط/ساعة، ومتوقع أن يصل إلى 432 تيراواط/ساعة في 2030.
أما استهلاك المياه، فقد أوردت دراسة منشورة في مجلة Patterns أن حجم استهلاك المياه يراوح بين 312.5 و 764.6 بليون ليتراً، علماً أن استهلاك العالم السنوي من المياه المعبَّأة يقدر بنحو 446 بليون ليتر.
هذا كله يضعنا أمام مشكلة متشابكة الأطراف تهدِّد قدرة شبكات الطاقة العالمية على استيعاب الطلب المتزايد، واستنزاف مخزون المياه الضروري لتلبية احتياجات الأراضي الزراعية والمجتمعات المحلية.
إلى أين؟
بعد كل ما سبق، يبقى السؤال الملح: إلى أين نحن ذاهبون في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي في 2026؟
بدايةً، ما لن نراه في عام 2026 هو الذكاء الإصطناعي العام Artificial General Intelligence - AGI والفَوْقَذَكاء (Superintelligence) أو الذكاء الفَوْقِيّ.
يجادل البعض بأن الذكاء الاصطناعي العام بعيد المنال بل مستحيل، وهؤلاء عادةً ما يستشهدون بحُجة "الغرفة الصينية" للفيلسوف جون سيرل، الذي ميز في تجربته الفكرية بين النحو (Syntax) والدلالة (Semantics) أو المعنى، و خَلُصَ إلى أن أنظمة الذكاء الاصطناعي هي أنظمة متطورة في معالجة الرموز الصُّوْرِيّة، أي أنها تُعْنىٰ بشكل رئيسي بالجانب اللغوي الرمزي وتركيباته النحوية إلا أنها لن تتمكن إطلاقاً من تطوير الدلالات أو ما يعرف بالمعنى أو الفهم، الذي هو ببساطة خاصية بشرية بحتة. أما الفَوْقَذَكاء (SuperIntelligence) أو الذكاء الفَوْقِيّ، فهو مرحلة افتراضية تأتي بعد مرحلة الذكاء الإصطناعي العام، يكون فيها الذكاء الاصطناعي قد امتلك قدرات تمكنه من تطوير ذاته وتحسينها باستمرار وذلك على غرار "أندرو" في رواية "رجل المِئَتَيْ عام" لأسيموف، الذي تقوده رحلته في التعديل الذاتي والتحسين في نهاية المطاف إلى إعادة تعريف مفهوم الإنسان. ومع استحالة بلوغ مرحلة الذكاء الفوقي أيضاً، إلا أن من المؤكد أن الذكاء الاصطناعي ماض في تطوره المتسارع و تأثيره المتزايد في شتى المجالات.
الروبوتات البشرية (AI Humanoid)
شهد عام 2025 تقدماً ملحوظا في ما تسمى "نماذج العالم" (World Models)، وهي أنظمة ذكاء إصطناعي تحاكي العالم الخارجي وكيفية عمله، وتهدف إلى جعل الذكاء الإصطناعي أكثر إدراكاً للبيئات المحيطة به في الواقع بتعقيداتها المختلفة. والهدف من هذه النماذج تقريب الذكاء الإصطناعي الى الذكاء البشري عبر منحه وعياً بمحيطه وادراكاً للواقع الخارجي يعينه على القيام بمهمات معقدة وغير مُعَدَّة مسبقاً قريبة من مهمات الإنسان نفسه. وكان لهذا التقدم أثر كبير على مجال الروبوتات البشرية (Humanoid Robots)، بحيث يُتوقع أن نشهد في المستقبل القريب زيادةً في استخدام الروبوتات البشرية في سياق المستشفيات، على سبيل المثال، لتكون قادرة على التفاعل مع بيئة المستشفى من خلال "نماذج العالم" ومجهزة للتعامل مع مهمات غير متكررة وغير مبرمجة مسبقاً تشبه المهمات البشرية.
النماذج اللغوية المتخصصة
يلاحظ انتقال المؤسسات من استخدام "نماذج اللغات الكبيرة" (LLMs) ذات الأغراض العامة نحو "نماذج اللغات الصغيرة" (SLMs) أو "نماذج اللغات المتخصصة أو المختصة" (DSLMs) بمجال معين، كالقانون مثلاً أو الطب.
هذه النماذج لغوية ويتم تدريبها على بيانات متعلقة ومحصورة بذاك المجال المتخصص، مما يجعلها دقيقة للغاية ومركزة. يهدف هذا الحصر في بالبيانات أو ضبط حقل البيانات المستخدم إلى تحقيق أمرين رئيسيين:
(1) تحسين دقة النموذج ومخرجاته من خلال تقليل "الهلوسة" الموجودة في نماذج الذكاء الإصطناعي العامة.
(2) تحقيق فهم أعمق وأدق للمجال التخصصي ومصطلحاته وفروقه الدقيقة التي تميزه عن غيره من المجالات. ومن الأمثلة على ذلك Med-PaLM 2 وBloombergGPT.
الذكاء الاصطناعي السيادي (Sovereign AI)
ربما تكون السيادة واحدة من الموضوعات الرئيسية التي اكتسبت زخماً هذا العام في ما يتعلق بالذكاء الإصطناعي، ومن المتوقع أن تنمو في السنوات القادمة بشكل كبير ومتسارع. فالذكاء الإصطناعي السيادي، الذي هو محور تركيز الحكومات، بات يمثل هدفاً استراتيجياً تسعى من خلاله الدول نحو الاستقلال الرقمي من خلال السيطرة على دورة حياة الذكاء الإصطناعي الكاملة، بدءاً من الامتلاك المحلي للبِنْية التحتية المشغلة للذكاء الاصطناعي، مثل مجموعات وحدات معالجة الرسومات (GPU Clusters) والحَوْسَبَة السَّحابِية الوطنية والمحلية، مروراً بضمان بقاء البيانات داخل حدود الدولة امتثالاً لقوانين الخصوصية المحلية مثل "اللائحة العامة لحماية البيانات" (GDPR) وغيرها.
كما تحاول الدول بشكل متزايد من خلال بناء المواهب المحلية والاعتماد عليها وتطوير نماذج مدربة على بيانات خاصة محلية، ضمان أن تعكس أنظمة الذكاء الإصطناعي هويتها الثقافية ولغاتها ومعاييرها الأخلاقية الفريدة.
هذه السيادة باتت تشكل ركناً حيوياً للأمن القومي والاستقرار الاقتصادي، إذ تقلل من خلاله الدول من الاعتماد المفرط على عمالقة التكنولوجيا الأجانب والقوى المنافسة المحتملة، و تحول تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي من مجرد خدمة مستقدمة من الخارج إلى أساس وطني، ينمي الابتكار المحلي ويحمي خصوصية المعلومات القومية، مما يمكّن الدول من الحفاظ على قدراتها التنافسية وتمايزها الثقافي من دون المساومة على سيادتها الرقمية أو أمنها المعلوماتي.
* مهندس في غوغل كلاود (Google Cloud) - قطر، وخبير في تكنولوجيا المعلومات والحوسبة السحابية ومتخصص في الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي












0 تعليق