الذهب والفضة في 2026: زخم تاريخي وتحوّل استراتيجي في دور المعادن الثمينة - تواصل نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الذهب والفضة في 2026: زخم تاريخي وتحوّل استراتيجي في دور المعادن الثمينة - تواصل نيوز, اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 07:13 صباحاً

 

تدخل المعادن الثمينة عام 2026 بزخم قوي بعد مكاسب تاريخية حققتها في 2025، حيث ارتفع الذهب بأكثر من 72%، والفضة بأكثر من 174%، مسجّلاً بذلك أقوى مكسب سنوي للذهب منذ نحو 46 عاماً.

 

هذه القفزات جاءت في ظل بيئة عالمية شديدة التقلب، تميّزت بتصاعد الصراعات الجيوسياسية وتزايد الضبابية الاقتصادية، ما دفع المستثمرين بقوة نحو الملاذات الآمنة.

 

ولم يقتصر هذا الأداء الاستثنائي على عام واحد، إذ تفوق الذهب منذ عام 2020 على أداء مؤشر S&P 500، بعدما صعد بأكثر من 130% مقارنة بنحو 85% فقط للمؤشر الأميركي، في دلالة واضحة على التحول البنيوي في سلوك المحافظ الاستثمارية العالمية، وتزايد أهمية الأصول التحوطية مقابل الأصول عالية المخاطر.

 

وأسهم خفض الفائدة الأميركية، وتراجع العوائد الحقيقية على السندات، وارتفاع مشتريات البنوك المركزية، إلى جانب عودة قوية لتدفقات صناديق الذهب المتداولة، في ترسيخ هذا الاتجاه الصاعد.

 

في المقابل، استفادت الفضة من طفرة الطلب الصناعي المرتبط بالطاقة الشمسية، والبطاريات، وأشباه الموصلات، ما أدى إلى عجز هيكلي واضح بين العرض والطلب ورفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، ممهداً لاستمرار الزخم الإيجابي خلال 2026.

 

آفاق صاعدة وتحول بنيوي في دور المعادن

يدخل الذهب في 2026 مدعوماً بمجموعة من المحركات البنيوية التي تضعه في قلب مشهد التحوط العالمي. تحولت عمليات الشراء المستمرة من البنوك المركزية إلى عامل دعم استراتيجي دائم، بعدما كانت تُعد سلوكاً دورياً، خصوصاً منذ تجميد الأصول الروسية في 2022، ما أعاد طرح تساؤلات جوهرية حول مخاطر الاعتماد المفرط على الدولار كعملة احتياط وحيدة.

 

وراكمت البنوك المركزية أكثر من 1,000 طن من الذهب سنوياً خلال الأعوام الثلاثة الماضية، مقارنة بمتوسط يقارب 600 طن فقط خلال العقد السابق، في إشارة واضحة إلى إعادة هيكلة النظام الاحتياطي العالمي.

 

وتبرز الصين كأحد أبرز اللاعبين في هذا التحول، حيث سجّل بنك الشعب الصيني 13 شهراً متتالياً من مشتريات الذهب حتى تشرين الثاني/نوفمبر 2025، لترتفع حيازته إلى أكثر من 2,300 طن، تمثل ما يزيد على 8% من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي.

 

ويُنظر إلى هذا التوجه على أنه محاولة استراتيجية لتقليص الاعتماد على الدولار، وتعزيز مصداقية اليوان كعملة احتياط مدعومة بأصل مادي يتمتع بالاستقرار والقبول العالمي.

 

ومتوقع أن تظل تدفقات صناديق الذهب المتداولة إيجابية خلال 2026، مدعومة بتوقعات استمرار السياسات النقدية التيسيرية والمخاوف الاقتصادية العالمية. وقد شهدت الهند أعلى تدفقات تاريخية خلال 2025، ما يمهّد لتوسع إضافي في الطلب الاستثماري، بالتوازي مع تنامي حيازات الذهب في أوروبا والصين، لا سيما في ظل ضعف العملات المحلية.

 

كما تشير التوقعات إلى أن السياسة النقدية العالمية، خصوصاً في الولايات المتحدة، ستواصل لعب دور داعم للذهب. فكل تراجع في العوائد الحقيقية يقلل كلفة الفرصة البديلة، ويعزز جاذبية الذهب كأصل غير مدر للعائد. ويضاف إلى ذلك استمرار المخاوف المتعلقة بتآكل القوة الشرائية للعملات الورقية، نتيجة الضغوط التضخمية، وتضخم الدين العام العالمي، وتراجع الثقة في الأطر النقدية التقليدية.

 

العوامل الجيوسياسية والتجارية: محفزات إضافية للذهب

على المستوى الجيوسياسي، لا تزال التوترات تلعب دوراً محورياً في دعم الذهب، بدءاً من الصراع في الشرق الأوسط، مروراً بالحرب في أوكرانيا، وصولاً إلى تصاعد التوتر التجاري والتكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين. كما ساهمت التقلبات المتكررة في سياسات الرسوم الجمركية الأميركية، والتغييرات المفاجئة في التوجهات التجارية، في زيادة تقلبات الأسواق وإضعاف الدولار، ما دفع المستثمرين إلى تعزيز مراكزهم في الأصول الآمنة وعلى رأسها الذهب.

اقتصادياً، تزداد احتمالات تباطؤ النمو العالمي خلال 2026، مع ضعف الإنفاق الاستهلاكي، وتباطؤ سوق العمل، وضغوط على أرباح الشركات، ما يعزز الطلب المؤسسي على الذهب كأداة موازنة في المحافظ الاستثمارية في مواجهة ضعف أداء الأسهم والسندات.

 

الفضة: قيود صينية وعجز هيكلي يعيدان تسعير السوق

أما الفضة في عام 2026، فتدخل مرحلة أكثر حساسية وتعقيداً، مدفوعة بعجز هيكلي متفاقم في المعروض، يتزامن مع تشديد الصين سيطرتها على سلاسل التوريد العالمية. فقد أعلنت بكين عن قيود جديدة على صادرات الفضة اعتباراً من الأول من يناير 2026، تفرض شروطاً صارمة للحصول على تراخيص التصدير، من بينها حد أدنى للإنتاج السنوي يبلغ 80 طناً، ومتطلبات تمويلية تصل إلى نحو 30 مليون دولار، ما يؤدي فعلياً إلى إقصاء المصدرين الصغار والمتوسطين من الأسواق الدولية.

 

وتكتسب هذه الخطوة أهمية استثنائية في ظل سيطرة الصين على ما يقارب 60 إلى 70% من المعروض العالمي للفضة، ما يعني أن أي تقييد للصادرات ينعكس فوراً على توافر المعدن في الأسواق العالمية. ويقارن مراقبون هذه السياسة بالنهج الذي اتبعته الصين سابقاً في سوق المعادن النادرة، حيث مكّنها التنظيم الصارم من بسط نفوذ واسع على التدفقات العالمية وإعادة تسعير تلك السلع استراتيجياً.

 

وتأتي هذه التطورات في وقت يعاني فيه سوق الفضة من عجز هيكلي للعام الخامس على التوالي، إذ بلغ الطلب العالمي في 2025 نحو 1.24 مليار أونصة، مقابل معروض لا يتجاوز 1.01 مليار أونصة، ما يخلق فجوة تتراوح بين 100 و250 مليون أونصة سنوياً، مع استمرار توسّع الطلب الصناعي.

 

ويُفاقم هذا العجز الانخفاض الحاد في المخزونات الفعلية عبر مراكز التداول الكبرى، حيث تراجعت مخزونات بورصة COMEX بنحو 70% منذ 2020، فيما انخفضت مخزونات لندن بنحو 40%، وسجلت مخازن شنغهاي أدنى مستوياتها منذ عشر سنوات. وتشير بعض التقديرات إلى أن بعض المناطق لا تمتلك سوى مخزون يكفي 30 إلى 45 يوماً فقط من الاستهلاك الفعلي.

 

هذا الشح انعكس بوضوح في اتساع الفجوة بين السوق الورقية والفضة الفعلية، حيث بلغت نسبة العقود الورقية إلى المعدن القابل للتسليم نحو 356 إلى 1، في حين بات المشترون يدفعون علاوات مرتفعة للحصول على التسليم الفعلي، خصوصاً في الأسواق الآسيوية، مع تداول الفضة الفعلية في شنغهاي بعلاوات مرتفعة تعكس حدة النقص.

 

وعلى صعيد العرض، لا يزال قطاع التعدين عاجزاً عن الاستجابة السريعة لارتفاع الطلب، إذ إن معظم إنتاج الفضة يأتي كمنتج ثانوي لاستخراج النحاس والزنك، ما يحدّ من مرونة زيادة الإنتاج. كما أن تطوير مناجم جديدة يستغرق أكثر من عقد من الزمن، في ظل تراجع جودة الخامات وارتفاع التكاليف والقيود البيئية، فيما تبقى إعادة التدوير غير قادرة على سد فجوة المعروض.

 

في المقابل، يشكّل الطلب الصناعي ما بين 50 و60% من إجمالي استهلاك الفضة، مدفوعاً بقطاعات الطاقة الشمسية، والسيارات الكهربائية، والإلكترونيات، والمعدات الطبية، مع غياب بدائل فعالة في العديد من هذه التطبيقات، ما يعزز حساسية السوق لأي اضطراب في الإمدادات.

 

ولكن بالرغم من متانة هذه العوامل الداعمة للذهب والفضة، فإن البيئة المحيطة بهما في عام 2026 مرشحة لأن تكون أكثر تقلباً وتعقيداً. فتداخل السياسات النقدية المتباينة بين الاقتصادات الكبرى، واحتمالات التغير المفاجئ في مسار الفائدة، إضافة إلى اضطرابات التجارة العالمية وتطورات المشهد الجيوسياسي، كلها عوامل قادرة على إحداث تحركات سعرية حادة في فترات زمنية قصيرة. كما أن اتساع الفجوة بين الأسواق الورقية والمعدن الفعلي يزيد من مخاطر التسعير والسيولة، خاصة في حالات الضغط على التسليم أو تقلّص المخزونات.

 

في هذا السياق، تصبح إدارة المخاطر عنصراً محورياً لا يقل أهمية عن الرؤية الاستثمارية نفسها. ويشمل ذلك تحديد أحجام المراكز بعناية، وتنويع أدوات التعرض بين المعدن الفعلي والمنتجات المالية، ومراعاة مستويات السيولة، إضافة إلى استخدام استراتيجيات تحوط مرنة قادرة على امتصاص الصدمات المفاجئة. 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق