من البيت إلى القبر: رحلة اللبناني على طرق الخطر - تواصل نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
من البيت إلى القبر: رحلة اللبناني على طرق الخطر - تواصل نيوز, اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 09:43 صباحاً

جورجيو الهوا

 

 

 

لم تعد حوادث السير في لبنان مجرّد أخبار عابرة تُدرج في أسفل النشرات، بل تحوّلت في الآونة الأخيرة إلى مشهد يومي مأسوي، يرافق اللبناني منذ خروجه من منزله حتى عودته… إن عاد. فالطريق التي يُفترض أن تقوده إلى عمله أو جامعته أو لقائه العادي، باتت في كثير من الأحيان طريقاً إلى المستشفى أو القبر.
تشهد الطرق اللبنانية ارتفاعاً مقلقاً في عدد الحوادث القاتلة، وسط غياب شبه كامل لأي معالجة جذرية. أرقام الضحايا تتزايد، والوجع يتكرّس، فيما تتحوّل السلامة المرورية إلى رفاهية مفقودة في بلد يرزح تحت أزمات متلاحقة. وفي كل حادث جديد، تتكرّر الأسئلة نفسها: لماذا؟ ومن المسؤول؟ ومن يحاسب؟
الأسباب لم تعد خافية. فالبنية التحتية المهترئة تشكّل الخطر الأول: طرق غير صالحة للسير، حفر قاتلة، غياب الإنارة، إشارات مرورية مطموسة أو معدومة، ومطبات غير مدروسة. هذه العوامل وحدها كفيلة تحويل أي رحلة قصيرة إلى مغامرة غير محسوبة العواقب. يضاف إليها سوء تنظيم السير، وغياب الصيانة الدورية، وترك الطرق لمصيرها.

images_092534.jpg

أما العامل البشري، فيبقى الحلقة الأخطر. فالسرعة المفرطة، وعدم التزام قوانين السير، واستخدام الهاتف أثناء القيادة، وعدم وضع حزام الأمان أو الخوذة، كلها سلوكيات باتت شائعة. كما تسجّل حوادث ناتجة من القيادة تحت تأثير التعب أو الكحول، فضلًا عن سيارات غير مجهّزة تقنياً ودراجات نارية تُقاد من دون أدنى شروط السلامة.
غير أن الكارثة الحقيقية تكمن في غياب المحاسبة. فقانون السير موجود نظرياً، لكنه غالباً ما يُطبَّق بانتقائية أو يُهمَل بالكامل. المخالفات تمرّ من دون رادع، والعقوبات لا تشكّل خوفاً حقيقياً، ما يعزّز ثقافة الاستهتار ويحوّل الطريق إلى مساحة فوضى مفتوحة. في هذا الواقع، يشعر المواطن بأن حياته معلّقة بالحظ لا بالقانون.
الضحايا ليسوا أرقاماً في جداول الإحصاء. هم شباب خُطفوا في عزّ أحلامهم، وأمهات فقدن أبناءهن، وآباء لم يعودوا إلى منازلهم، وطلاب انقطعت طرقهم نحو المستقبل. كل حادث يخلّف وراءه عائلة مكسورة، وحزناً طويل الأمد، وذاكرة موجعة لا تمحى. ومع ذلك، تمرّ هذه الخسارات من دون وقفة وطنية حقيقية.
إن الحدّ من هذه المأساة لا يكون بحملات توعية موسمية فحسب، ولا ببيانات تعزية بعد كل فاجعة. المطلوب خطة شاملة تبدأ بإصلاح الطرق، وتحسين الإنارة والشارات، وتفعيل الرقابة، وتطبيق قانون السير بصرامة وعدالة. كما أن للإعلام والمجتمع المدني دوراً أساسياً في إبقاء هذا الملف حياً، والضغط المستمر لوقف هذا النزيف.
في بلد أنهكته الأزمات، تبقى حماية الأرواح أولوية لا تتحمل التأجيل. فأن يخرج اللبناني من بيته مطمئناً إلى أنه سيعود سالماً، لم يعد مطلباً بسيطاً، بل حق أساسي. إلى أن يتحقّق ذلك، ستبقى طرق لبنان شاهدة على رحلة خطرة، قد تبدأ من البيت… ولا تنتهي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق