نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الذكاء الاصطناعي بين الابتكار والمسؤولية: أخلاقيات التكنولوجيا في عصر الثورة الرقمية - تواصل نيوز, اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 01:52 مساءً
سمر ضو - قطر
عندما نفقد قيمنا وأخلاقنا، نفقد جوهر إنسانيتنا، ونصبح عرضة للانزلاق في دوامة من الفوضى واللامسؤولية. وفي عصر تتسارع فيه الابتكارات التكنولوجية وتزدهر فيه أنظمة الذكاء الاصطناعي، يصبح الأمر أكثر إلحاحًا. فالاستخدام غير الموجه للتكنولوجيا ومن دون أي ضوابط أخلاقية يقودنا إلى سقوط أخلاقي، وعلى أثره يمكن أن تتحول التكنولوجيا إلى وسائل لإلحاق الضرر، والتلاعب، واستغلال الآخرين، بدلًا من أن تكون وسائل لتقدم الإنسان ورفاهيته.

وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي ليست مجرد قواعد نتبعها، بل هي مسؤولية مباشرة تقع على عاتقنا نحن كبشر. فالتقنيات نفسها جامدة، ولا تملك وعيًا أو قدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، وبالتالي لا يمكن تحميلها نتائج أخطائها. فنحن من نصمّم هذه الأنظمة، ونحن من نقرر كيفية عملها، ونحن من يتوجب عليه أن يتحمل مسؤولية كل تأثير تتركه هذه التقنيات على المجتمع والفرد، سواء كان إيجابيًا أم سلبيًا.
ومن هذا المنطلق، أصبحت أخلاقيات الذكاء الاصطناعي ضرورة عملية لضمان العدالة، والمساءلة، والشفافية، وحماية الخصوصية.
وبهذا تتضح أهمية وضع أطر أخلاقية فعّالة وتصميم مسؤول للأنظمة الذكية، لضمان استفادة المجتمعات من التكنولوجيا والابتكار مع الحفاظ على المبادئ الإنسانية وعدم التفريط بها.
وتعود النقاشات الأخلاقية المرتبطة بسلوك الأعمال إلى قرون مضت، وبرزت أخلاقيات الأعمال كحقل أكاديمي مستقل في أعقاب الاحتجاجات البيئية والمناهِضة للشركات الكبرى في الولايات المتحدة خلال سبعينيات القرن الماضي. ومع ذلك، فإن استمرار ظهور فضائح شركات كبرى على مدى العقود اللاحقة يدل على أن البحث والنقاش والتدريس في مجال الأخلاقيات لم ينجح دائمًا في التحول إلى سلوك أخلاقي فعلي.
علاوة على ذلك، أرسلت أجيال سابقة من القادة إشارات متناقضة بشأن أهمية الأخلاقيات في التدريب على إدارة الأعمال وصنع القرار. ففي عام 1970، قال ميلتون فريدمان أن: "هناك مسؤولية اجتماعية واحدة ووحيدة للأعمال التجارية، وهي استخدام مواردها والانخراط في أنشطة تهدف إلى زيادة أرباحها، طالما التزمت بقواعد اللعبة، أي المنافسة الحرة والمفتوحة دون خداع أو احتيال".
وفي أواخر ثمانينيات القرن الماضي، أفاد أحد علماء الاجتماع بأن إقناع كلية هارفارد لإدارة الأعمال بتدريس الأخلاقيات كان شبه مستحيل، رغم حصولها على منحة بقيمة 20 مليون دولار لهذا الغرض. وعلّق:"قالوا لنا: نحن نعلّم الناس كيف يضعون ألعابًا صغيرة في علب كبيرة لتبدو أكبر. ونضع ألوانًا جذابة على العبوات لتحفيز الشراء الاندفاعي. إذا أردتم منا تدريس السلوك الأخلاقي، فنحن خارج سوق الأعمال".
أما اليوم، فقد تغيّر مناخ الرأي العام بشكل ملحوظ. ويتزامن هذا التحول في المواقف مع اعتراف متزايد بالآثار السلبية المحتملة للتقنيات الجديدة على الأفراد والمجتمعات. فمع توغل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، والروبوتات، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وإنترنت الأشياء، وغيرها من التقنيات المتقدمة في مختلف جوانب الحياة، يتزايد الإجماع على أنها لا تطرح تحديات تقنية فحسب، بل تحديات اجتماعية أيضًا.
ونتيجة لذلك، تتزايد الدعوات إلى تطوير معايير أخلاقية مناسبة، تضمن أن تفوق فوائد التكنولوجيا مخاطرها، وأن تُوزّع هذه الفوائد بعدالة، وألا تقوض التقنيات الحديثة استقلالية الإنسان وحقه في تقرير مصيره. وفي الوقت ذاته، من المهم ضمان ألا تعيق الأطر القانونية والتنظيمية المتطورة الابتكار التكنولوجي دون مبرر.
وعبر التاريخ، تثير التقنيات الجديدة، طيفًا واسعًا من المخاوف. بعض هذه المخاوف يبدو غريبًا أو مبالغًا فيه ،كما قيل يومًا إن القطارات تسير بسرعة تفوق قدرة البشر على الاحتمال، وبعضها الآخر يتكرر بنمط متوقع، حين يُفترض أن التكنولوجيا ستُغيّر الطبيعة الإنسانية جذريًا، كما قيل إن الهواتف ستدمّر التواصل الشخصي، والكتابة ستقضي على الذاكرة، وأشرطة الفيديو ستجعل الخروج من المنزل أمرًا غير ضروري.
القضايا الأخلاقية في استخدام الذكاء الاصطناعي والروبوتات
أضحت الخصوصية إحدى أكثر القضايا إلحاحًا في عصر الذكاء الاصطناعي، مع التحول الشامل نحو الرقمنة واتساع نطاق جمع البيانات وتحليلها. فمعظم أنشطتنا اليومية باتت تُخلّف أثرًا رقميًا، تُجمع بياناته وتُخزّن وتُربط ضمن شبكة عالمية. ويعزز الذكاء الاصطناعي من قدرات المراقبة، سواء كانت شاملة للسكان أو موجهة لأفراد ومجموعات بعينها.
وقد أدى هذا الواقع إلى تراجع قدرة الأفراد على التحكم في بياناتهم. وتُفاقم تقنيات مثل التعرّف على الوجوه وبصمة الأجهزة هذا التراجع، عبر تمكين إنشاء ملفات تعريف دقيقة عن الأشخاص، غالبًا دون علمهم أو موافقتهم الفعلية.
وتعتمد شركات التكنولوجيا الكبرى على نماذج أعمال قائمة على جذب الانتباه، وتعزيز الإدمان، واستغلال التحيزات السلوكية، ما يثير أسئلة أخلاقية عميقة حول الخداع، والاستقلالية، والعدالة. ورغم تطور تقنيات الحفاظ على الخصوصية، مثل إخفاء الهوية والخصوصية التفاضلية، فإن تطبيقها يظل محدودًا بسبب الكلفة، وضعف إنفاذ القوانين، وعدم تكافؤ القوة بين الأفراد والشركات.
ولا يقتصر أثر الذكاء الاصطناعي على جمع البيانات، بل يمتد إلى استخدامها للتأثير في السلوك البشري، بطرق قد تُقوّض حرية الاختيار العقلاني. فبفضل البيانات الضخمة، يمكن للخوارزميات استهداف الأفراد أو المجموعات برسائل مصممة خصيصًا للتأثير عليهم، سواء لأغراض تجارية أو سياسية.
وقد أصبح هذا التلاعب نموذجًا اقتصاديًا شائعًا في الإعلانات، والألعاب، ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث تُستخدم "أنماط خادعة" لتعظيم الأرباح. وفي المجال السياسي، تحوّلت هذه المنصات إلى أدوات دعاية مؤثرة.
في المقابل يثير التفاعل بين الإنسان والروبوت أسئلة أخلاقية تتعلق بالخداع، والكرامة الإنسانية، وإسقاط الصفات العقلية والعاطفية على الآلات. ويزداد هذا الإشكال في مجالات مثل الرعاية الصحية، حيث يُخشى أن يؤدي الاعتماد على الروبوتات إلى تآكل البعد الإنساني للرعاية، رغم أن معظم التطبيقات الحالية تقتصر على دعم مقدمي الرعاية وليس استبدالهم.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة، يظل مجال أخلاقيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات حديثًا نسبياً ويفتقر إلى إطار نظري شامل ومستقر، بينما تتسارع التكنولوجيا بوتيرة قد تتجاوز قدرة المجتمعات على تنظيمها.
ويبقى السؤال الأكبر: هل يمكن تحقيق توازن حقيقي بين الابتكار والمسؤولية، أم أننا أمام مشهدٍ مستقبلي يُعيد إنتاج الفجوات الاجتماعية ويختزل القيم الإنسانية إلى أدوات إنتاجية؟












0 تعليق