نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الأسهم التفضيلية في لبنان: مدّخرات مُضلَّلة خارج حماية قانون الفجوة المالية - تواصل نيوز, اليوم الثلاثاء 30 ديسمبر 2025 04:29 مساءً
فارس طراد
تعرّض عشرات آلاف حملة الأسهم التفضيلية في المصارف اللبنانية خلال الأزمة المالية لأحد أكبر نماذج سوء بيع المنتجات المالية في تاريخ البلد، ما حوّل مدّخرات حياتهم إلى رأسمال مهدَّد بالمحو بدل أن تكون ودائع مضمونة أو شبه مضمونة كما صُوِّرت لهم. وفي ظل نقاش قانون الفجوة المالية المطروح اليوم عام 2025، يعود ملف هذه الفئة من المودعين–المستثمرين إلى الواجهة بوصفه اختباراً لجدّية أي مقاربة «عادلة» للأزمة، خصوصاً أن الخطة الحالية لا تأتي على أي حلّ واضح للأسهم التفضيلية.
ما هي الأسهم التفضيلية وكيف سُوِّقت؟
الأسهم التفضيلية هي جزء من رأسمال المصرف، تأتي بعد المودعين والدائنين عند أي تصفية أو إعادة هيكلة، ما يجعلها أداة عالية المخاطر بطبيعتها. رغم ذلك، سُوِّقت في لبنان كودائع لخمس سنوات بفائدة أعلى بنصف أو نقطة مئوية من الفوائد العادية، من دون شرح لطبيعتها كرأسمال يمكن شطبه بالكامل. رُوِّج لها كـ"حساب توفير طويل الأجل" مع تاريخ استحقاق واضح، ما أوحى بأنها أقرب إلى شهادة إيداع منها إلى سهم في رأسمال المصرف.
غالبية المكتتبين حوّلوا أكثر من 50% من محافظهم إلى هذه الأدوات، وفي العديد من الحالات جرى تحويل 80–100% من الحساب، خلافاً لما هو معمول به عالمياً حيث لا يُسمح عادةً بتجاوز 20% من المحفظة في فئة مماثلة من الأدوات عالية المخاطر. كما بيعت هذه المنتجات في فروع عادية على أيدي مديري فروع وموظفين غير معتمدين لبيع أدوات مالية معقّدة، بدلاً من بيعها حصراً عبر مستشارين ماليين معتمدين في المقرات الرئيسية بعد تقييم ملاءة العميل وخبرته كما يفترض أن يحصل في الظروف الطبيعية.
من هم الضحايا؟ أفراد لا مستثمرون محترفون
الشهادات تشير إلى أن المستهدفين كانوا أفراداً عاديين، لا مستثمرين محترفين أو مؤسسات، من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية. كثيرون اكتشفوا بعد 2019 أن أهاليهم المسنين، وبعضهم فوق الثمانين عاماً، أُدخلوا إلى هذه المنتجات من دون أي إدراك للمخاطر، فيما وضع طلبة وشباب مدّخرات سنوات من العمل أو المساعدات العائلية في هذه الأسهم ظناً منهم أنها مجرد إيداعات بفائدة أفضل.
هيئة الأسواق المالية تشترط أن يكون التسويق «واضحاً، منصفاً وغير مضلّل»، وألّا يتضمّن مزاعم غير دقيقة أو إخفاء متعمّد للمخاطر، وهو ما تم تجاوزه بالكامل في هذه القضية.
تضارب المصالح وغياب الحماية
أحد أخطر أوجه الفضيحة هو تضارب المصالح بين حملة الأسهم التفضيلية ومن يُفترض أن يمثّلهم أو يدافع عن حقوقهم، إذ كان "ممثلوهم" في بعض الحالات هم أنفسهم محامو المصرف أو أعضاء في إدارته العليا، أي الجهة المتَّهمة بسوء التسويق. في قضايا تعود لمصارف كبرى مثلاً، تولّى المدير العام أو محامو المصرف تمثيل حملة هذه الأسهم، ما جعل الدفاع الفعلي عن حقوق الصغار شبه مستحيل.
اعتراف رسمي وتوقّف الأرباح
في كانون الأول 2020 أصدر مصرف لبنان تعميماً حول "معالجة مخالفات المصارف في تسويق الأسهم التفضيلية"، (تعميم 12398) معترفاً ضمناً بأن المصارف خالفت الأصول في تسويق هذه الأدوات للأفراد غير المحترفين، ومشيراً إلى ضرورة معالجة المخالفات ودفع المتوجّب من توزيعات. رغم ذلك، أوقفت معظم المصارف دفع الأرباح منذ 2018–2019 مع أنها كانت أدنى من الفوائد على الودائع التقليدية، ولجأت خلال السنوات السبع الماضية إلى ميزانيات لا تعكس الأرباح المتحقّقة أو رحّلتها وأخفتها عملياً لتفادي دفع التوزيعات أو ردّ رؤوس الأموال لحملة هذه الأسهم عند الاستحقاق.
الخطة الحالية لعام 2025 وموقع حملة الأسهم التفضيلية
الخطة الحكومية المطروحة عام 2025 في سياق قانون الفجوة المالية تتحدّث عن إعادة هيكلة شاملة للقطاع وحماية محدودة لصغار المودعين حتى سقف 100 ألف دولار، لكنها لا تطرح أي حل خاص للأسهم التفضيلية. هذا الصمت التشريعي–السياسي يضع حملة هذه الأدوات في موقع هش، وخصوصاً أولئك الذين لا يملكون أي ودائع عادية بل فقط أسهماً تفضيلية. هؤلاء لن يستفيدوا حتى من الحدّ الأدنى الموعود للمودعين لأنهم مصنَّفون حتى الآن كشركاء في رأس المال لا كمودعين، ما يفتح الباب أمام احتمال «حلاقة كاملة» لرأسمالهم من دون تعويض، رغم أنهم لم يحصلوا على حق التصويت أو المشاركة في إدارة المصرف.
مقترح عادل: تحويل الأسهم التفضيلية إلى ودائع «لولار»
في ضوء هذا الواقع، يبرز اقتراح يعدّه كثيرون أكثر عدالة: اعتبار حملة الأسهم التفضيلية "مودعين مضلَّلين" لا مساهمين واعين، وتحويل قيمة أسهمهم إلى حسابات بالدولار المحلّي (لولار) تُعامل مثل باقي الودائع في أي خطة شاملة. الخطوة الأولى هي تحويل هذه الأسهم إلى أرصدة لولار مضافة إلى حسابات أصحابها، ثم إخضاعها لآلية "الهيركات" أو جداول السداد نفسها المطبّقة على باقي الودائع، مع حماية خاصة لصغار المودعين (مثل من هم دون سقف 100 ألف دولار).
هذا الحلّ يخفّف الظلم عن فئة صودرت منها الأرباح منذ 2018، ويتيح في الوقت نفسه تحميل المساهمين الكبار وأصحاب الإدارة المسؤولية الأولى عن الخسائر الناتجة من سوء الحوكمة والفساد وسوء إدارة المخاطر.
مسؤولية السلطة النقدية والرقابية
اعتراف مصرف لبنان بوجود مخالفات في تسويق الأسهم التفضيلية لا يكفي ما لم يُترجم إلى آليات عملية لتعويض المتضررين ومحاسبة المخالفين. المطلوب من مصرف لبنان وهيئة الأسواق المالية ووزارة المال ووزارة العدل أن تتحرّك كمؤسسات دولة فاعلة لا كمراقبين متأخرين على كارثة مكتملة الأركان، عبر وضع إطار خاص لهذه الأسهم يقرّ بصفة "الوديع المضلَّل" ويُعتمد في خطط إعادة الهيكلة، وفتح تحقيقات تأديبية وجزائية في حالات التزوير أو الإخفاء المتعمّد للمعلومات أو تضارب المصالح لإعادة بعض الثقة المنهارة بين الجمهور والمنظومة المصرفية.
كلمة أخيرة من منظور العدالة الاجتماعية
قضية الأسهم التفضيلية ليست نقاشاً تقنياً في ترتيب الخسائر فحسب، بل مرآة لكيفية توزيع الكلفة بين الأقوياء والأضعف في المجتمع. إبقاء آلاف حملة هذه الأسهم لمصير "الشطب الكامل" بذريعة أنهم "مساهمون" ينسف أي حديث عن إصلاح عادل أو عن نموذج اقتصادي جديد أكثر توازناً وإنصافاً. إن إنصافهم عبر تحويل استثماراتهم إلى ودائع تُعامل بالحدّ الأدنى كودائع صغار المودعين ليس منّة، بل استحقاق قانوني وأخلاقي ورسالة بأن لبنان لا يختار دائماً حماية المتسبّبين على حساب الضحايا.










0 تعليق