نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عام 2025 جيوسياسة التقنية... بين طموح الصين وتنظيم أوروبا وجرأة أميركا - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 31 ديسمبر 2025 08:12 صباحاً
شكل عام 2025 محطة مفصلية في مسار القطاع التكنولوجي العالمي، إذ لم يعد التطور التقني محصوراً في الابتكار فقط، بل أصبح أداة مباشرة لإعادة تشكيل الاقتصاد والسيادة وسلاسل القيمة العالمية. وبينما تسير الولايات المتحدة وأوروبا والصين في مسارات مختلفة، فإن القاسم المشترك بينها هو تسارع الاستثمار في الذكاء الاصطناعي باعتباره المحرك الأبرز للنمو والتنافس الجيو-اقتصادي. وبينما يتشكّل نظام عالمي رقمي جديد، تبرز ثلاث مسارات متباينة، ففي حين تراهن الولايات المتحدة على قوة رأسمالية شركاتها العملاقة رغم فوضى التنظيم، تحاول أوروبا فكّ شيفرة التوفيق بين ترسانتها التشريعية وطموحها في بناء ريادة عالمية. وعلى الضفة الأخرى، تمضي الصين بخطى واثقة نحو بناء منظومة تكنولوجية مستقلّة تماماً، متجاوزةً القيود الدولية لفرض واقع رقميّ موازٍ.
أوروبا: إمكانات ضخمة وتحديات
دخلت أوروبا عام 2025 وهي تمتلك قاعدة تكنولوجية واسعة تُقدّر قيمتها بنحو 4 تريليونات دولار، مع ما يقارب الـ 40 ألف شركة تقنية ممولّة، وارتفاع ملحوظ في عدد الشركات المليارية، وفقاً لتقرير State of European Tech الصادر عن Atomico. لكن القارة لا تزال عاجزة عن ترجمة هذا الزخم ريادةً عالميةً كاملة، بسبب تجزّؤ الأسواق وتعقيد البيئة التنظيمية. ورغم التقدم في مجالات الذكاء الاصطناعي والتقنيات العميقة، خصوصاً في فرنسا وألمانيا وجنوبي أوروبا، فإن التحدّي الأكبر يتمثل في تمويل مراحل النمو المتقدّمة وبناء شركات عملاقة قادرة على المنافسة عالمياً. لذا يمكن القول إن مستقبل التكنولوجيا الأوروبية مرهون بتوحيد السوق، تعبئة رؤوس الأموال المحليّة، وتعزيز ثقافة المخاطرة والابتكار.

الولايات المتحدة: مرونة تفتقر إلى التنظيم
أظهر الاقتصاد الأميركي في 2025 قدرة ملحوظة على الصمود، رغم الضغوط الناتجة عن السياسات الجمركية والضريبية والتجارية. ووفق تحليلات PIMCO، بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نحو 1.5–2%، مدعوماً بتسارع الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، ولا سيما لدى الشركات الكبرى. وقد أسهمت تقنيات الذكاء الاصطناعي، سواء عبر الاستثمار المباشر أو من خلال أثرها على الأسواق المالية، بنحو نصف نقطة مئوية من النمو الاقتصادي. لكن هذا النمو كان غير متوازن، إذ تضررت الشركات الصغيرة وسوق العمل نسبياً، مع تباطؤ التوظيف وارتفاع معدل البطالة. ومع دخول 2026، تراهن الولايات المتحدة على حوافز مالية جديدة واستمرار دورة الاستثمار التكنولوجيّ، رغم بقاء المخاطر المرتبطة بالتضخم وعدم اليقين في السياسات النقدية.
وحول واقع التكنولوجيا، يوضح لـ"النهار" الخبير في الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، رولان أبي نجم، بأن السياسات، ولا سيما في الولايات المتحدة، تفتقر في أغلب الأحيان إلى ضوابط صارمة. ففي أميركا، يشهد المستخدم انتهاكات واسعة للخصوصية من قبل الشركات، وغالباً ما يتم التغاضي عن ذلك. بالمقابل، يفرض الاتحاد الأوروبي قواعد أكثر صرامة، مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR)، ما أدى إلى فرض عقوبات متكرّرة على شركات أميركية بسبب خرقها للخصوصية. ويشير أبي نجم إلى أن توسّع استخدام منصّات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الذكية عالمياً يؤدي إلى تجميع متزايد للبيانات الشخصية، ما يعزّز القدرة على فهم السلوكيات والتلاعب النفسي للمستخدمين في التسويق والإعلانات.
الصين: توسع وطموح
واصلت الصين في 2025 ترسيخ موقعها كقوة صاعدة في الذكاء الاصطناعي، مع توقعات بتجاوز حجم القطاع الـ 140 مليار دولار، وفقاً لصحيفة غلوبال تايمز. ويعود هذا النمو إلى التوسع السريع في اعتماد الذكاء الاصطناعي داخل قطاعات التصنيع، والأجهزة الذكية، والروبوتات المتقدمة، إضافة إلى امتلاك الصين نحو 60% من براءات اختراع الذكاء الاصطناعي عالمياً، بحسب الأكاديمية الصينية لدراسات الفضاء الإلكتروني. كذلك حققت بكين تقدماً مهماً في تطوير الرقائق المحلية، في محاولة لتعزيز استقلالها التقني.
في السياق، يضيف أبي نجم أن الصين تتبع استراتيجية مزدوجة ذكية: فهي تعزز الاكتفاء الذاتي داخلياً من خلال تطوير الرقاقات ومراكز البيانات المحلية، بينما تحاول الالتفاف على القيود الدولية عبر أطراف ثالثة لتأمين بعض الشرائح المتقدّمة أو تقليدها محلياً. لذا من المتوقع أن نشهد أنظمة رقمية موازية، فكما تُستبدل التطبيقات الغربية بتطبيقات محلية صينية، ستطور تطبيقات ذكاء اصطناعي للاستخدام الداخلي، إلى جانب نسخ موجّهة للأسواق الخارجية، كلٌّ وفق ضوابط ومعايير مختلفة، ما يعزز فكرة التكتلات التكنولوجية المنفصلة.
يُظهر حصاد 2025 أن التنافس التكنولوجي لم يعد مجرد سباق ابتكار، بل أصبح صراع نماذج اقتصادية وسيادية. فالولايات المتحدة تعتمد على قوة شركاتها العملاقة ورأس المال، وأوروبا تحاول تحويل إمكاناتها إلى نفوذ فعلي عبر الإصلاحات والتشريعات، فيما تمضي الصين بخطى سريعة نحو بناء منظومة متكاملة ومستقلة للذكاء الاصطناعي. ومع توسع جمع البيانات الشخصية وتطور التطبيقات الذكية، سيحدد النجاح والأمان الرقمي لكل نموذج ليس فقط مستقبل اقتصاده، بل أيضاً موقعه في النظام العالمي خلال العقد المقبل، في سباقٍ متسارع بين النفوذ الاقتصادي والتقني والسياسي.













0 تعليق