كانت رائحة الحلويات والخبز تعبق في المكان، حتى خُيّل إليّ أن مستوى الدوبامين في جسدي ارتفع بمجرّد استنشاقها. ما إن دخلتُ المطبخ حتى بدا المشهد كأنه يشدّ المعدة قبل العين: كوكيز بالشوكولاتة، تارت، كيك، وأصناف أخرى من الحلويات التي يصعب على أيٍّ كان مقاومتها، مصطفّة بعناية ودقّة على الطاولة.

حولها، خمس شقيقات في ربيع العمر، أكمامهنّ مرفوعة، وأحاديثهنّ تتقاطع بحماس، فيما تتجلّى روح التعاون بينهنّ بصورة جليّة. استقبلنني بابتسامات دافئة، فيما كانت الأم، نضال، توزّع فخرها وفرحتها بين بناتها بكلمات تختصر الكثير: "كم أنا فخورة". هؤلاء هنّ الفريق الذي يقف خلف نجاح مشروع Les Sugar Mamas.

التقطتُ هاتفي، وبدأتُ التصوير، متنقّلة بين أطباق الحلويات المتنوّعة، بينما راحت الحكاية تتشكّل تلقائياً. تروي نايلة أبو شرف، إحدى الشقيقات، والعقل المدبّر للمشروع، أن القصة تعود إلى الطفولة: "كنّا نقف أمام والدنا، نخبز الحلويات ونصنع المربّى معاً". تلك الروح الجماعية التي جمعت الشقيقات منذ الصغر لم يسمح لها الزمن بأن تتلاشى، بل نَمَت معهنّ، وتحوّلت إلى أساس متين لما سيأتي لاحقاً.

الأب محاطٌ ببناته الخمس: نايلة، عايدة، ياسمينا، زلفة، وماريا (النهار)

توضح نايلة بأن اهتمامها بريادة الأعمال تعزّز خلال دراستها للاقتصاد في الخارج، حيث ركّزت في دراساتها العليا على ريادة الأعمال، وعلى العلاقة بين الطهاة والمشاريع الناشئة، إضافة إلى التعمّق في قصص الشركات: كيف بدأت من أفكار بسيطة، وكيف انطلقت، ثم نَمَت وتوسّعت لتصبح علامات معروفة. هذا المزج بين الشغف العمليّ والمعرفة الأكاديمية منحها رؤية واضحة لإمكانية تحويل الشغف إلى مشروع حقيقي ومستدام.

وتضيف أن السفر لعب دوراً محورياً في بلورة الفكرة؛ فمع كلّ تجربة جديدة، كانت ملامح المشروع تتضح أكثر. عندها وعدت نفسها بالعمل على تطوير فكرة صنع الحلويات، حتى نجحت في ذلك.

وكان لكل واحدة من الشقيقات مساحة للتعبير عن علاقتها بالمشروع. تروي ياسمينا أن التفكير في المشروع بدأ عام 2022، من دون أن يكون التنفيذ مطروحاً في المستقبل القريب. لكن نقطة التحوّل جاءت عندما طلبت إحدى الصديقات، جينيفير الحاج، التي كانت قد تذوّقت سابقاً البسكويت، الذي أعدّته الشقيقات، أن يتولّين تحضير الحلويات لصالح الـ Pop-up الذي تنظّمه.

"هكذا بدأنا"، تقول ياسمينا، "وفي غضون أسبوع واحد توصّلنا إلى الاسم، وصمّمنا الشعار". وتشرح زلفة بأن الفكرة تقوم على البساطة، لكن بجودة عالية: "نستخدم مكوّنات فاخرة، وكل ما يتذوّقه الزبائن لدينا هو بالفعل عالي الجودة".

البنات الخمس: نايلة، عايدة، ياسمينا، زُلفة، وماريا

تضيف أن لكل شقيقة دورها الواضح داخل المشروع: ياسمينا تتولّى التسويق، نايلة تطوير الوصفات، ماريا تهتم بالهوية البصرية والعلاقات العامة، فيما تتكفّل زلفة بالتواصل مع المورّدين وتقديم الدعم حيث يلزم.
أما ماريا، فلا تخفي تأثّرها باللحظات الإنسانية التي يخلقها المشروع، فتقول إن أجمل ما فيه هو التفاعل مع أشخاص لم يلتقوهن من قبل: "هناك أناس يسمعون بنا، يأتون ليتعرّفوا إلينا، وعندما نرى فرحتهم وحبّهم لما نقدّمه، ننسى كلّ التعب".

وترى عايدة أن العمل كخمس شقيقات في مشروع واحد هو تعبير حقيقي عن تمكين المرأة، وتحديداً في لبنان، حيث تتراكم الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وتقول إن اختيارهنّ بناء هذا المشروع كنساء يشكّل بحد ذاته فعلاً من أفعال القوة والصمود، ودليلاً على أن المرأة اللبنانية قادرة على النجاح مهما قست الظروف.

في مطبخ  Le Sugar Mamas لا تُخبَز الحلويات فقط، بل تُصاغ حكاية عائلية عن الشغف، والتعاون، والإصرار. بين الأيدي الملطّخة بالدقيق والضحكات المتقاطعة، تتشكّل تجربة تتجاوز الطعم لتلامس معنى أعمق: أن تحوّل النساء ما يحببن إلى مشروع، وما يجمعهنّ إلى قوة. حكاية خمس شقيقات يثبتن، بهدوء وثبات، أن الأحلام الصغيرة قادرة على أن تكبر، حتى في أصعب الظروف.