يتجه الدولار الأمريكي لإنهاء عام 2025 على واحد من أضعف مستوياته منذ نحو عشر سنوات، في أداء يعكس تحولات جوهرية في المشهد المالي العالمي، وسط تزايد الشكوك حول مستقبل العملة الأمريكية ودورها التقليدي كملاذ آمن.

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز، فقد الدولار ما يقرب من 10% من قيمته أمام سلة من العملات الرئيسية خلال العام الجاري، مسجلًا أكبر تراجع سنوي له منذ عام 2017. ويعزو محللون هذا الأداء السلبي إلى تغير توقعات المستثمرين بشأن السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، في ظل ترجيحات متزايدة باتجاه خفض أسعار الفائدة خلال الفترة المقبلة، مدفوعة بإشارات تباطؤ النمو الاقتصادي وتراجع الضغوط التضخمية مقارنة بذروتها في السنوات السابقة.

في المقابل، استفادت عملات رئيسية أخرى من هذا التحول، حيث سجل اليورو أفضل أداء له منذ سنوات بدعم من استقرار السياسة النقدية في منطقة اليورو، فيما حقق الجنيه الإسترليني مكاسب ملحوظة مع تحسن التوقعات الاقتصادية في بريطانيا. وأسهم هذا التباين في السياسات النقدية بين الولايات المتحدة واقتصادات متقدمة أخرى في تقليص الميزة النسبية التي تمتع بها الدولار خلال فترة التشديد النقدي السابقة.

عوامل مالية وسياسية ضاغطة

ولا يقتصر ضعف الدولار على مسار السياسة النقدية فقط، إذ تلعب العوامل المالية دورًا متزايدًا في الضغط على العملة الأمريكية، في ظل اتساع العجز المالي واستمرار تراكم الدين العام، ما يثير مخاوف المستثمرين بشأن استدامة الأوضاع المالية على المدى المتوسط. كما تسهم الخلافات المستمرة حول الإنفاق الحكومي والسياسات الضريبية في تعزيز حالة عدم اليقين ودفع بعض المستثمرين إلى تقليص انكشافهم على الأصول المقومة بالدولار.

أما العامل السياسي، فقد ألقى بظلاله هو الآخر على أداء العملة، مع تصاعد التقلبات المرتبطة بالسياسات التجارية والخطاب المتغير بشأن الرسوم الجمركية والعلاقات الاقتصادية الدولية. ويخشى مستثمرون من أن تؤدي سياسات غير متوقعة إلى توترات تجارية جديدة تنعكس سلبًا على النمو الاقتصادي الأمريكي وجاذبية الدولار كعملة احتياطية.

هل نحن أمام نقطة تحول؟

ورغم التراجع الملحوظ، لا يزال الدولار يحتفظ بمكانته المحورية في النظام المالي العالمي، مستندًا إلى قوة الاقتصاد الأمريكي وعمق أسواقه المالية. غير أن محللين يرون أن المرحلة الحالية قد تمثل نقطة تحول، مع بدء المستثمرين إعادة تقييم استراتيجيات التحوط وتنويع الاحتياطيات، وهو ما قد يؤدي إلى تراجع تدريجي في الطلب على الدولار خلال السنوات المقبلة.

ومع اقتراب عام 2026، تترقب الأسواق عن كثب مسار السياسة النقدية الأمريكية، إذ إن أي تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة، بالتزامن مع تشدد نسبي في سياسات بنوك مركزية أخرى، قد تمهد لمزيد من الضعف في العملة الأمريكية. في المقابل، قد يحد تحسن مفاجئ في النمو أو عودة الضغوط التضخمية من وتيرة هذا التراجع.

في المحصلة، يعكس الأداء الضعيف للدولار خلال 2025 مزيجًا معقدًا من العوامل الاقتصادية والمالية والسياسية، وبينما لا يعني ذلك بالضرورة فقدان العملة الأمريكية لمكانتها العالمية، فإنه يشير بوضوح إلى دخول مرحلة جديدة تتسم بتوازنات أكثر هشاشة، حيث لم يعد صعود الدولار أمرًا مسلمًا به كما كان في السنوات الماضية.

للمزيد تابع

خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك