نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
وليد الركراكي… حين لا تكفي الأمجاد لصناعة الاستمرارية - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 31 ديسمبر 2025 01:43 مساءً
في كرة القدم، أخطر ما يمكن أن يواجه أي مدرب ناجح هو أن يتحوّل إنجازه من نقطة انطلاق إلى منطقة أمان، وفي أفريقيا تحديداً، لا يكفي أن تكون صاحب سيرة ذهبية أو ذاكرة جماهيرية ممتلئة بالإنجازات.
كأس أمم أفريقيا بطولة تُحاكم المدربين في التفاصيل، في قدرتهم على قراءة الخصم، التكيّف مع الظروف، والتخلّي عن القناعات حين تتحوّل إلى عبء. وليد الركراكي، مهما بلغت مكانته وما حققه مع منتخب المغرب، ليس استثناءً من هذه القاعدة. ومن هنا جاء الجدل حوله، والذي لا ينبع من التشكيك في قيمته، بل من الخوف من أن يصبح أسيراً لنجاح صنعه بنفسه.
مباراة مالي لم تكن سقطة عابرة، بل كاشفة؛ فقد كانت امتداداً لملاحظات فنية تراكمت منذ مباراة جزر القمر. كُشف فيها خلل المسافات، ضعف الضغط العكسي، والرهان على حلول نمطية لكسر التكتلات. منتخب المغرب بدا منقسماً، فاقداً السيطرة رغم الاستحواذ، وهو أمر لا يليق بفريق يعتبر المرشح الأبرز.
لكن كرة القدم لا تعترف بالأحكام النهائية، بل بالتصحيح. وهنا جاء اختبار زامبيا، المباراة التي غيّرت اتجاه السرد بالكامل. الركراكي تراجع خطوة إلى الوراء، تخلّى عن بعض قناعاته، واختار ما يناسب المباراة. إبعاد أمرابط، تحرير أوناحي، منح العيناوي دوراً واضحاً، توظيف الزلزولي لكسر التكتلات، وتحويل مزراوي والشيبي إلى مفاتيح تكتيكية لا مجرّد أظهرة. النتيجة كانت سيطرة كاملة، أداء مقنع، وانتصار بثلاثية، أقوى هجوم في البطولة، وسلسلة لا هزيمة وصلت إلى 20 مباراة، وعودة المنتخب إلى موقعه الطبيعي كمرشح أول، لا بالاسم بل بالميدان.
أشرف حكيمي ووليد الركراكي في كأس أمم أفريقيا. (أ ف ب)
النقاش الذي خُلق حول الركراكي، لم يكن حول "هل هو مدرب جيد أم لا؟". هذا سؤال تجاوزه الزمن. الرجل أحدث تحوّلاً شاملاً في هوية المنتخب المغربي، ونقل الفريق من منتخب موهوب بلا شخصية ثابتة إلى كيان صلب، منضبط، يلعب بعقلية أقرب إلى المدارس الأوروبية، ويجيد إدارة المباريات الكبرى قبل الصغيرة. هذه حقائق لا تُمحى بتعادل، ولا تُضاعفها ثلاثية.
لكن كأس أمم أفريقيا ليست بطولة للسمعة، بل للاختبار المستمر. بطولة لا تعترف بتاريخ ولا ترحم مدرباً يتعامل معها بالأدوات نفسها في كل مباراة. هنا تحديداً بدأت علامات الاستفهام، ليس بسبب النتائج، بل بسبب الخيارات. الاعتماد المتكرّر على أسماء فقدت قدرتها على خدمة النسق، الإصرار على توازن مختل في البناء والضغط، واللعب بعقلية واحدة أمام منتخبات تختلف كلياً في طبيعة اللعب والظروف. كلها مؤشرات على مدرب لم يُخطئ في الفكرة، بل في توقيت التخلي عنها.
وهنا تتضح الحقيقة الفاصلة: وليد الركراكي لا يحتاج أن يثبت أنه الأفضل، لكنه مطالب بأن يثبت أنه قادر على البقاء. فالإنجاز يمنحك الشرعية، أما الاستمرارية فتصنعها القدرة على التكيّف، وحين يصبح التغيير سلوكاً لا استثناءً، يمكن القول إنّ المغرب يملك مدرباً قادراً على حصد البطولة التي طالما استعصت رغم وفرة الأسماء.












0 تعليق