نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
إشكالية السلاح بعد حرب 2024: أزمة دولة لا أزمة جماعات - تواصل نيوز, اليوم الاثنين 29 ديسمبر 2025 09:56 صباحاً
حيدر الأمين
منذ انتهاء حرب 2024، بدا واضحاً أن لبنان دخل مرحلة مختلفة جذرياً عن كل ما سبقها. فالبنية السياسية التي تشكّلت منذ نهاية الحرب الأهلية لم تعد قادرة على حمل ثقل الازدواجية الأمنية، ولا على إدارة التداعيات الإقليمية المتسارعة. ولأول مرة، أصبح السلاح خارج الدولة ليس مجرد عنصر سياسي متنازعاً عليه، بل نظام مواز يتقاطع مع التحولات الإقليمية والدولية، ويؤثر في مستقبل الدولة اللبنانية نفسها. الأزمة اليوم ليست صراعاً بين طوائف ولا منافسة بين مشاريع سياسية، بل أزمة كيانية تتعلق بمكان الدولة في نظامها السياسي، وبحدود قدرتها على ممارسة وظيفتها الأساسية: احتكار العنف الشرعي.
الفصل الأول: الدستور في مواجهة الوقائع الجديدة
الدستور اللبناني كغيره من دساتير الدول لم يُصمَّم لإدارة مجتمع تحكمه سلطتان أمنيتان، بل لإدارة تنوّع سياسي داخل دولة واحدة. وحين نصّ على أن الدولة تحتكر قرار الحرب والسلم، لم يكن النص رمزياً بل تأسيسياً.
غير أن الواقع ما بعد 2024 أظهر فجوة خطيرة:
- الدولة لم تعد تمتلك القدرة العملية على تطبيق هذا النص؛
- والبنى العسكرية غير الشرعية لم تعد حالة موقتة أو استثنائية؛
- والبيئة الإقليمية الجديدة جعلت ازدواجية السلاح مصدر خطر مباشر لا يمكن التعايش معه.
- في ظل هذه المعادلة، لم يعد النقاش ترفاً دستورياً، بل مسألة بقاء الدولة في ذاتها.
الفصل الثاني: من ازدواجية السلاح إلى نظام السيطرة
التحول الأخطر بعد 2006 لم يكن توسع السلاح جغرافياً بل توسعه وظيفياً:
- القرار السيادي خرج من المؤسسات وتحول إلى أداة تفاوض إقليمية.
- الدولة فقدت القدرة على فرض أولوياتها، وصار دورها في الملفات الأمنية هامشياً.
- الاقتصاد اللبناني أصبح رهينة موقع سياسي لا يقرره اللبنانيون وحدهم.
- السلاح تحوّل إلى عنصر نفوذ داخلي يعيد إنتاج القوة السياسية عبر موازين غير ديموقراطية.
هذا الواقع أنتج ما يمكن تسميته "نظام سيطرة" لا "ازدواجية سلاح". فالازدواجية هي اختلال موقت؛ أما السيطرة فهي بنية مستقرة.
الفصل الثالث: الطائفة خارج الحسابات الخاطئة
من الضروري فصل الطائفة الشيعية عن البنية المسلحة التي تعمل باسمها. فالطائفة ليست صاحبة قرار السلاح، ولا هي المستفيدة منه في معظم الأحيان، بل أصبحت شاءت، أم رفضت، حاملة لتبعاته:
*حصرية التمثيل السياسي داخلها؛
*غياب المنافسة الديموقراطية الحقيقية؛
*التعرض لضغوط اجتماعية وسياسية تمنع التعدد؛
*تحميلها مسؤولية خيارات لم تصنعها.
المقاربة الوطنية الحقيقية تنطلق من حماية الطائفة من تحويلها إلى "درع اجتماعية" لبنية سياسية - عسكرية، لا من مواجهتها أو تحميلها المسؤولية.
الفصل الرابع : الشرعية الدولية بعد 2024... قواعد جديدة
أحد أهم التحولات بعد الحرب هو تغيّر موقع العدو الصهيوني في النظام الدولي:
-عملياته العسكرية لم تعد تواجه اعتراضات جدية؛
-النظر الدولي للسلاح الخارج عن الدولة أصبح أكثر تشدداً؛
-المنطقة كلها دخلت مرحلة "تعظيم دور الدولة المركزية" على حساب أي قوة مسلّحة غير شرعية.
هذا الواقع يضع لبنان أمام معادلة خطيرة:
أي ردّ مسلّح من خارج الدولة يُصنَّف دولياً كعمل ميليشيوي، لا كدفاع مشروع. وبالتالي، يصبح لبنان مكشوفاً بالكامل أمام العمليات العسكرية من دون حماية سياسية دولية.
الفصل الخامس: دولة مشلولة في مقابل قوة إقليمية متفوقة
بينما يمتلك العدو الصهيوني تفوقاً جوياً واستخباراتياً وغطاءً دولياً واسعاً، يقف لبنان أمام:
-دولة محدودة القدرة؛
-مؤسسات مقيدة؛
-قرار دفاعي غير مركزي؛
-وبنية مسلحة لا تدخل في منظومة الدولة.
هذه معادلة غير قابلة للاستمرار، ولا يعالجها الخطاب التقليدي حول "التوازن الردعي".
الفصل السادس: سقوط نظرية "تنظيم السلاح"
بعد 2024 لم تعد فكرة دمج السلاح أو تنظيمه داخل "استراتيجية دفاعية" قابلة للحياة، لأن:
- الزمن تجاوزها؛
- البيئة الدولية لم تعد تقبلها؛
- الطرف المسلح لم يبدِ استعداداً لتسليم القرار؛
- الوظيفة الإقليمية للسلاح أصبحت أولوية على الوظيفة الوطنية.
وبالتالي، الاستمرار في هذا الطرح هو استمرار في إنكار الواقع.
الفصل السابع: خريطة الانتقال الطريق الممكنة الوحيدة
الحل ليس صداماً ولا مفاوضة شكلية، بل هو انتقال منظم من ثلاث مراحل:
1-فكّ السيطرة.
إعادة هيكلة المؤسسات لمنع تحويلها إلى ملحقات لبنية السلاح :
تحييد الجيش والأجهزة؛
إصلاح الإدارة؛
فكّ ارتباط السياسي بالعسكري.
2-استعادة الدولة
تمكين المؤسسات الشرعية عبر :
تقوية الجيش،
استعادة الحدود،
حشد دعم دولي يخدم الدولة لا أي فاعل خارجها.
3-نزع السلاح كنتيجة لا كإملاء
حين تستعيد الدولة وظائفها، يصبح السلاح فائضاً لا ضرورة؛ نقاشه يصبح تقنياً لا عقائدياً.
الفصل الثامن: حماية الطائفة من عبء السلاح
لا دولة بلا طوائف آمنة. ولا أمن للطائفة ما دامت تتحمل تبعات مشروع مسلح ما كانت هي من قررته.
الحل يبدأ بإعادة فتح الحيز السياسي داخل الطائفة، وحماية المعارضة السلمية، وإعادة وصل الطائفة بالدولة لا بالسلاح.
الفصل التاسع : سردية جديدة للبنان
لكي يستعيد لبنان نفسه، يحتاج إلى سردية وطنية تتجاوز الانقسام التقليدي:
لا سردية "استقواء"
ولا سردية "استهداف"
بل سردية واحدة:
الدولة تحمي… والسلاح يعرّض للخطر.
بعد 2024، لم يعد السلاح خارج الدولة حالة سياسية قابلة للنقاش المفتوح، بل تحول إلى عنصر يحدّد مصير الدولة وموقعها في النظام الإقليمي. والمفارقة أن الطائفة التي رُبط اسمها بالسلاح ليست صانعة قراره، بل أصبحت رهينة له. لذلك، المسار لا يقوم على المواجهة ولا على الانتظار، بل على انتقال تدريجي يعيد للدولة دورها، ويحرّر المجتمع من أثقال لا يقوى عليها، ويمنع لبنان من الانجراف نحو حروب لا طاقة له عليها.
لبنان يحتاج اليوم إلى معادلة واحدة لا لبس فيها:
دولة واحدة، قرار واحد، وسلاح واحد.









0 تعليق