نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أحمد خالد توفيق: رقصة الظل بين الحياة والموت في عقل العرّاب - تواصل نيوز, اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025 04:36 صباحاً
تواصل نيوز - اختار الكاتب الراحل أحمد خالد توفيق الزهد في الأضواء، رافضاً الانتقال إلى القاهرة حيث يقول " "أنا بطبيعتي شخص لا أحب الأضواء، أحب ما في الظل أكثر.. أحب المخرج أكثر من الممثل، وأحب الملحن أكثر من المطرب".
وقال عن القاهرة "الوصول إلى المنزل يستغرق 90% من الوقت.. لا أتخيل كيف يعيش الناس فيها"، ما جعله يظل مخلصاً لمدينته طنطا، منزوياً في الظل مثل شخصياته، مقدّساً دور "الصانع" خلف الكواليس على حساب الظهور العلني.
وُلد أحمد خالد توفيق في مثل هذا اليوم بمدينة طنطا عام 1962، وتخرج طبيباً متخصصاً في أمراض المناطق الحارة، لكن شغفه الحقيقي كان يسكن عوالم أخرى، عوالم الأشباح والغموض والديستوبيا.
بدأ مسيرته الأدبية عام 1992 بسلسلة "ما وراء الطبيعة"، التي واجهت رفضاً في البداية قبل أن يتبناها د. نبيل فاروق، لتصبح لاحقاً ظاهرة ثقافية شكلت وجدان جيل كامل.
أحمد خالد توفيق وفلسفة "اللا زبون"
في مقالته الشهيرة "أنت لست زبوناً"، صاغ توفيق رؤيته الوجودية للحياة، يروي كيف فاته قطارٌ إلى القاهرة بسبب إهمال الموظفين، ثم اكتشف أن "مهمة الحياة ليست تدليلك". هذه العبارة أصبحت مرآة لجيل يعيش على هامش الاهتمام: "تنقطع الكهرباء.. ترتفع الأسعار.. لكنك لست زبوناً. مصر ليست مطعماً مهمته إسعادك”
الكتابة كعلاج نفسي
اعتبر توفيق الكتابة وسيلة لمواجهة "الشيطان الداخلي". تأثر بالأدب الروسي (تشيخوف، دستويفسكي)، واختار الرعب القوطي منفذاً للهروب من واقع خانق: "الخيال كان قلعي المسكون.. هربت فيه من الثورة الصناعية لحياتي".
الموت: هاجسٌ يطارده.. ورفيقٌ يغازله
عانى أحمد خالد توفيق من توقف قلبه أربع مرات، وهي تجارب عمّقت علاقته بفكرة الموت. في مقابلة مع "بي بي سي" اعترف: "عدت للحياة.. ربما كان هناك عمل مهم سأنجزه؟ أخشى أن أكون عدت لأتلف ما فعلته".
كما تكررت إشارات الموت في كتاباته كـنبوءات ذاتية: في "ما وراء الطبيعة": "وداعاً أيها الغريب.. كانت إقامتك قصيرة لكنها رائعة".
وفي "يوتوبيا": "لا أريد نهاية متلوية.. أريد انقطاعاً نظيفاً كالكهرباء".. بل تنبأ بمشهد جنازته: "ستكون جميلة ومؤثرة.. لكني لن أراها رغم حضوري فيها". وهو ما تحقق يوم 2 أبريل 2018، حين خرجت طنطا عن بكرة أبيها لتوديعه.
دروس في الرومانسية الأبدية
من خلال حوارات "رفعت إسماعيل" وماجي في "ما وراء الطبيعة"، قدّم توفيق تصوراً ميتافيزيقياً للحب: "سأحبك حتى تحترق النجوم.. وحتى ينبض قلبي للمرة الأخيرة.. ربما أتوقف وقتها.. ربما".
واعتبر النسيان فنا للخلاص في "قصاصات قابلة للحرق"، حوّل انتهاء العلاقات إلى فلسفة وجودية: "لا يكفيك أن تنساها.. بل يجب أن تنسى أنك نسيتها".
الموت الأخير.. حين صارت التنبؤات حقيقة
في 2 أبريل 2018، توقف قلب توفيق للمرة الخامسة والأخيرة، المشهد الذي تنبأ به تحقق: جنازة شعبية ضمت آلاف المعجبين، وكُتب على قبره العبارة التي طالما تمنّاها: "جعل الشباب يقرؤون".
في الذكرى الأولى لرحيله، غطى محبوه قبره برسائل منها: "وداعاً أيها الغريب.. عساك وجدت الجنة التي فتشت عنها"، و"طبيب شفى جراح جيل بالكلمات"، و"العرّاب الذي رفض التاج"
ورغم تلقيبه بـ"عراب أدب الرعب"، رفض توفيق الهالة الأسطورية قائلات: "القراء يضعونني في مكان أكبر من إمكاناتي.. وهذا يُزعجني" .
وصيته الأخيرة
ختم توفيق فيلماً وثائقياً عنه عام 2010 بدعوة لقرائه: "رسالتي: أنا لست آخر حاجة.. اقرأوا بعدي.. أو سأغضب".
رحل أحمد خالد توفيق جسداً، لكنه بقي كائناً ثقافياً حياً في ذاكرة جيل. حياته كانت احتفاء بالتواضع، وموته كان تأكيداً على قوة الكلمة، كما كتب في "شآبيب":
في قصة حياته وموته، أثبت أن الخلود لا يُبنى بالأضواء، بل بأن تكون "ظلاً" يُضيء عقولاً، ويصنع من القبور منابرَ لحكايات جديدة.
0 تعليق