نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
كردفان في عين العاصفة السودانية... بابنوسة عقدة استراتيجية في مسار الحرب - تواصل نيوز, اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025 06:17 صباحاً
تواصل نيوز - بعد الهدوء الذي خيم على الفاشر منذ أواخر تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، انتقلت البؤرة الساخنة للصراع السوداني إلى إقليم كردفان، إذ تحولت مدينة بابنوسة إلى محطة فاصلة في المعركة الحاسمة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع. فهذه المدينة لا تمثل مجرد موقع عسكري آخر، إنما هي عقدة استراتيجية ربما تحدد اتجاه الحرب في السودان في المرحلة المقبلة.
يقول عبد المنعم سليمان، الكاتب والصحافي السوداني ورئيس تحرير موقع "سودان بيس تراكر" المتخصص في التحقيق الاستقصائي عن السودان، لـ "النهار" إن انتقال الحرب إلى إقليم كردفان يعد تحولاً فاصلاً في مسار النزاع في السودان، لأسباب عديدة، جغرافياً وسياسياً وعسكرياً، "فمن يسيطر على موقع الإقليم الاستراتيجي في قلب السودان يتحكم بشبكة الطرق والإمداد. ولهذا السبب، تعدّ كردفان ميزاناً لقياس مآلات الحرب، وفتح جبهة مستعرة في الإقليم خطوة حاسمة ربما تُعيد رسم خريطة الحرب كلها، فمن ينتصر فيها يُمسك بزمام المبادرة في الحرب وفي تفاوض ما بعد الحرب".
أهمية استراتيجية
وفي كردفان، تكتسب مدينة بابنوسة أهمية جيو-استراتيجية فائقة، كونها آخر معاقل الجيش السوداني في غرب الإقليم، وفيها قيادة الفرقة "22 مشاة" التي تمثل الحضور العسكري الأساسي للجيش السوداني في المنطقة. وتقع المدينة على نقطة وصل حيوية وخط إمداد رئيسي، وتربط معظم مناطق ومدن إقليم كردفان بعضها ببعض، وهذا يجعلها محوراً استراتيجياً بين وسط السودان وغربه. ويلاحظ سليمان أن هذه الولاية، وخصوصاً مدينتي النهود والفولة، "تمثل نقاطاً مفصلية تربط الشمال والوسط بولايات إقليم دارفور حيث مواقع قوات الدعم السريع".
عناصر من قوات الدعمن السريع في شمال كردفان (وكالات)
إلى ذلك، بابنوسة محاطة بثروات اقتصادية ضخمة تشمل حقول النفط الكبرى، خصوصاً في منطقة هجليج القريبة من جنوب السودان، ومحطات القطار، ومرافق البنية التحتية الحيوية. ومن جانب اقتصادي أوسع، يمنح إقليم كردفان - مع دارفور - السودان نحو 35 في المئة من موارده الاقتصادية، بما فيها الثروة الحيوانية والأراضي الزراعية والمعادن. ويعقب سليمان: "يتركز أغلب إنتاج النفط المتبقي في السودان اليوم في حقول تقع في غرب كردفان ومحيطها، مثل حقول هجليج ودفره وغيرها من الحقول الصغيرة والاستكشافات الاخرى. ولا ننسى أن خطوط الأنابيب الرئيسة التي تنقل نفط جنوب السودان (خام النيل) إلى ميناء بورتسودان تمر بهذه المنطقة". بالتالي، من يسيطر على غرب كردفان لا يحصل فقط على أرض، "بل يحصل أيضاً على النفط وطرق الإمداد، وعلى حاضنة سكانية قبلية مهمة في السودان، مثل فبيلتي المسيرية والحمر وغيرهما، وهذا يمثل ورقة ضغط هائلة في أي مسار سياسي مقبل".
في الميدان
منذ 15 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، تشهد بابنوسة اشتباكات ضارية غير مسبوقة. ففي 16 تشرين الثاني/ نوفمبر، شنت قوات الدعم السريع هجوماً منسقاً ضخماً على مقر الفرقة "22 مشاة" من ثلاثة محاور: الشمال والشمال الغربي والشرق. امتد الهجوم ساعات طويلة، وشمل استخدام أسلحة ثقيلة وخفيفة وطائرات مسيرة. وما تزال المعارك كرّ اً وفرّاً بين الجانبين.
هذا التصعيد لا يمثل نقطة منعزلة، بل جزء من استراتيجية واسعة من الدعم السريع للسيطرة الكاملة على غرب كردفان. تسيطر قوات الدعم السريع بالفعل على عاصمة الإقليم الفولة، وعلى مدن رئيسية أخرى مثل النهود والمجلد والميرم. إذا نجحت في اختراق بابنوسة، ستتمكن من الانتقال بشكل هجومي نحو مدن حيوية أخرى مثل أمدام حاج أحمد والرهد وسيالة.
يرى محللون أن السودان يتجه نحو سيناريو تقسيمي على الطريقة الليبية: تسيطر قوات الدعم السريع على كل أراضي دارفور الخمس ولديها نفوذ واسع في غرب السودان، بعيداً عن مراكز السلطة الشرقية بالخرطوم وبورتسودان، فيما يسيطر الجيش السوداني على المناطق الوسطى والشرقية والعاصمة. وهذا التقسيم الجغرافي، برأي هؤلاء المحللين، يعني أن معارك كردفان ستحدد ما إن كان السودان سيبقى دولة موحدة أم سينقسم إلى إقليمين... وهذا ما ينفيه سليمان جملةً وتفصيلاً، مؤكداً لـ "النهار" أن ما يقال اليوم في أن السيطرة على بابنوسة تعني تقسيم السودان "غير صحيح"، فما يجعل من التقسيم خطراً ماثلاً برأيه هو "تعنت الجيش السوداني الذي تسيطر الحركة الإسلامية على قراره، ورفضه إيقاف الحرب".
ويضيف: "تكمن أهمية هذه المدينة في أنها آخر عقبة كبرى أمام سيطرة قوات الدعم السريع الكاملة على غرب كردفان، فإن دخلها، انفتحت أمامه أبواب الولاية كاملة".
أطفال جندهم الجيش السوداني لمناصرته في معارك كردفان (وكالات)
من يمنع توقف الحرب؟
بعد سقوط الفاشر، يتوقع محللون تصعيداً عسكرياً واسعاً في الأسابيع المقبلة، خصوصاً حول مدينة الأبيض، المركز التجاري الرئيسي، ومحطة ضخ النفط الحيوية في شمال كردفان، من منطلق أن السيطرة على الأبيض تسهل على الجيش السوداني الهجوم على دارفور، بينما تمكن قوات الدعم السريع من التقدم نحو وسط السودان. ويقول سليمان: "سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر ليست هزيمة عسكرية للجيش السوداني فحسب، إنما هي انقلاب في ميزان القوى في النزاع السوداني برمته".
وإذ يرفض الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان أي خطاب عن هدنة أو سلام مع قوات الدعم السريع، وإذ يدعو "من يستطيع حمل السلاح" للانضمام للحرب، يرى سليمان أن الحرب في بلاده أخذت أبعاداً أوسع، وتحولت من صراع حول المركز إلى صراع على الغرب والوسط والجنوب والثروة والنفط والبنى التحتية، ومن ثم حصار المركز في الخرطوم وتهديده وربما سقوطه، "وما لم تغير القوى الدولية والإقليمية قواعد اللعبة، أو تمارس ضغطاً فعالاً، فإن السودان ماضٍ نحو حرب أطول تمزق البلاد".
فما هي العقبة في وجه توقف الحرب؟ يجيب سليمان سريعاً: "العقبة هي الحركة الإسلامية السودانية التي ترى في الحرب فرصة لعودتها إلى السلطة، بعدما أسقطها الشعب في ثورة 2019 الشعبية، وكتائب الحركة الإسلامية هي التي تحارب الآن في كردفان، مدعومة بسلاح إيراني وبمسيرات تركية، وهذه الحركة هي الخطر الحقيقي على وحدة البلاد واستقرارها، وبالتالي على استقرار الجوار الأفريقي الهش".












0 تعليق