نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حفظ سلام لبنان يحتاج إلى عون! - تواصل نيوز, اليوم الثلاثاء 10 يونيو 2025 05:17 صباحاً
تواصل نيوز - من المصادفات أن يكون رئيس الجمهورية اللبنانية هو جوزف عون، ورئيس الحكومة هو نواف سلام، إلا أن سلام لبنان يحتاج إلى عون عربي ودولي، فالسلام بلبنان هو مؤشر للسلام في الشرق الأوسط وهو حاجة ليست لبنانية بل أيضاً عربية.
عندما تكون في لبنان يستقبلك كمّ من الضربات الموجعة على الضاحية الجنوبية من القوة الإسرائيلية في ليلة العيد، أما الليلة التالية فتسمع الكثير مما يشبه صوت المدافع، ويتبين أن اللبنانيين يحتفلون بالعيد من خلال إطلاق كثيف للألعاب النارية (مفرقعات)، دون أن يفكر بعضهم أن الأصوات تتشابه وبالتالي تدخل الخوف في القلوب، بخاصة لدى زوارهم!
كيف وجدتُ لبنان بعد غياب شبه طويل؟ وجدته قد تغير ، ووجدته لم يتغير. أردت أن أعرف مباشرة مما نشر من الدراسات والكتب التي صدرت مؤخراً حول لبنان، ولم يكن أفضل من كتاب نواف سلام، رئيس الوزراء الحالي، وعنوانه "لبنان بين الأمس والغد"! وهو كتاب عبارة عن مجموعة مقالات بالعربية والإنكليزية والفرنسية كتبت في وقت سابق، ثم ضمت في كتاب بعد إعادة تحريرها. الإقبال على الكتاب يبدو كان كبيراً، إلى درجة أن النسخة التي بيدي هي الطبعة الثالثة.
يبدو لبنان جميلاً، ولكن أيضاً هشاً، وهذه الهشاشة ولدت معه بعد الحرب العالمية الأولى. في هذا الكتاب ظهر لي أن نواف سلام ليس قانونياً ضليعاً وحسب، ولكنه أيضاً أستاذ اجتماع متمكن، فالدراسات التي ضمها هذا الكتاب هي دراسات اجتماعية بامتياز.
يناقش الكتاب موضوعاً مركزياً في لبنان وهو الطوائف والطائفية، ودورها في "الدولة". ويرى سلام أن الطائفية في لبنان ليست بمنحى ديني "تعبدي" إنما هي عصبية، كعصبية القبائل، وأنتجها ضعف الدولة، والدليل الذي يقدمه أنه قبل اندلاع الحرب الأهلية 1975 جرى استطلاع للبنانيين فيما إذا كانوا ملتزمين دينياً، ووجد هذا الاستطلاع أن من يذهب إلى الكنيسة أو المسجد هم فقط 5% لا أكثر من المنتمين إلى المذاهب والأديان، هذا المؤشر يرى عبره نواف سلام أن المجتمع الطائفي في لبنان ليس مجتمعاً للعبادة، إنما هو تمثيل للعصبية، كما أن التماسك لدى الطوائف اللبنانية الذي يعطي الفرد شعوراً بالوحدة والارتباط بالفرادة والخصوصية، قد يكون أمراً وهمياً، إذ إن الطائفة نفسها لأسباب مختلفة قد تنقسم على نفسها، لأسباب سياسية أو اقتصادية، ففلاحو عكار ليس هم البرجوازية السنية في بيروت! وبعض الشرائح يتخطى الطائفية لينتمي إلى الوطن المرجو أن يقوم.
يلاحظ سلام أن كل الطوائف في لبنان تنطق باللغة العربية، بل إن العامية التي تستعملها هي العامية نفسها، وأن الاختلاف في اللهجات اللبنانية لا يتطابق عموماً مع تعدد الطوائف، ولا يعبر عنه، كما أن التمركز الجغرافي للطوائف، لا يشكل تجانساً ملحوظاً، إلا في بعض المناطق خارج المدن، أما المناطق الحضرية فيسكنها عددُ كبيرُ من هذه الطوائف المختلفة.
تتغير مواقف الطوائف أيضاً بالظروف السياسية، فيرى بأن فكرة القومية العربية كان دعاتها الأول هم من المسيحيين الموارنة، ولكن بعضهم، في وقت لاحق، وجد أن اللبننة هي الحل الأفضل في ظل الظروف التي نشأت بعد صراعات طائفية داخلية. فالطوائف تحتاج إلى بعضها، تحتاج التباعد والتقارب أيضاً!!
إذن رئيس الوزراء اللبناني يعرف المشكلات، ويشخصها، ولكن على طرف آخر يذكر السيد فؤاد السنيورة وهو رئيس وزراء سابق، وصاحب تجربة عميقة في العمل السياسي اللبناني، بأن السياسي بشكل عام يعرف المشكلات التي تواجه المجتمع، ولكن لا يستطيع حلها، بسبب الضغوط المختلفة التي تنتج من المصالح المتضاربة في المجتمع.
فترة الأسدين في سوريا كانت وبالاً على لبنان، ففرغت شحنة حقد دافق على اللبنانيين، ودفع اللبنانيون ثمناً باهظاً لذلك الصلف السوري "الأسدي" بدماء كوكبة من كل الطوائف اللبنانية، دون أن نتخطى فكرة أن بعضهم، لأسباب مختلفة، أيديولوجية أو اقتصادية أو منفعية، ساهم في هذه السيطرة الفجة.
وإذ أنسى لا أنسى في وسط الثمانينيات السفير اللبناني في الكويت، وقد أخذ يتبع السفير السوري أين ما حل، وما يقوله الأخير، يؤكد عليه الأول كتلميذ مطيع. كان منظراً محزناً للنخب الكويتية. ومن الصدف أيضاً أن يكون ذلك السفير السوري، هو أول سفير سوري في لبنان أيضاً. لم يكن السفير اللبناني وقتها له حول ولا قوة، ويصعب على من يشاهد تلك الصورة التي ترمز إلى تبعية مطلقة.
النقلة النوعية المهمة في الأشهر الأخيرة هي سقوط النظام الأسدي، وهي أخبار طيبة جداً للبنانيين جميعاً وأيضاً تغيير في هيكلية السلطة في لبنان. حتى الموالون في السابق لذلك النظام الأسدي "كوّعوا"، فلبنان قد تحرر من قبضة أمنية فائقة القدرة والعنت، وتتصرف بصلافة في الشأن اللبناني صغر ذلك الشأن أم كبر.
لبنان يتعافى، ولكنه يحتاج إلى عون حقيقي من أشقائه، فشفاء لبنان هو جزء لا يتجزأ من شفاء الإقليم من مرحلة سياسية مريضة، والوقت هو وقت احتضان لبنان كل لبنان لا وقت شماتة والعياذ بالله.
إن حمل "نعوش المذاهب" بدأ يأفل، وصنع "الإله البشري" قد تحطم، والإثنان لا يبنيان وطناً بل مقبرة، واللبنانيون بطبيعتهم كطير الفينيق، فهم شعب يحب الحياة، وعلى العرب القادرين، عون لبنان على الخروج من "الحرز" إلى نبض الحياة.
0 تعليق