خطة السلام الأميركية... صداع أوروبي جديد - تواصل نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خطة السلام الأميركية... صداع أوروبي جديد - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 26 نوفمبر 2025 12:34 صباحاً

لم يكن مفاجئاً حجم الارتباك الأوروبي عند ظهور الخطة الأميركية المؤلفة من 28 نقطة لإنهاء الحرب في أوكرانيا. ففي اللحظة التي كانت فيها العواصم الأوروبية تنتظر من واشنطن موقفاً أكثر صلابة في دعم كييف، فوجئت بخطة تحمل بنوداً بدت في نظر الأوروبيين أقرب إلى مقترحات روسية منقحة منها إلى رؤية غربية مشتركة. 

ومع ذلك، لم تتعامل أوروبا مع الخطة باعتبارها وثيقة مرفوضة بالكامل، بل كمشروع يحتاج إلى إعادة هندسة سياسية تحفظ أمن القارة ومصالحها الإستراتيجية.

 

الدفاعات الجوية الأوكرانية تتصدى لمسيرات روسية (أ ف ب)

الدفاعات الجوية الأوكرانية تتصدى لمسيرات روسية (أ ف ب)

 

ما أثار القلق الأوروبي قبل محتوى الخطة هو طريقة طرحها. فقد تم إعدادها بعيداً من مشاركة عواصم الاتحاد الأوروبي، كأن واشنطن أرادت اختبار ردود الفعل قبل الدخول في مسار تفاوضي. هذا التهميش غير المعلن أثار حساسية أوروبية، لأن الاتحاد الأوروبي يرى نفسه الطرف الأكثر تضرراً من استمرار الحرب، والأكثر استحقاقاً للجلوس في مركز أي مشروع سلام.

إضافة إلى ذلك، اعتبرت دول عدة أن بعض بنود الخطة لا ينسجم مع المبادئ التي تتمسك بها أوروبا منذ بداية الحرب، احترام سيادة أوكرانيا، وعدم الاعتراف بأي تغيير قسري للحدود، ورفض فرض شروط تقوض قدراتها الدفاعية.

فالمقترحات التي تتضمن تقليص حجم الجيش الأوكراني، أو منح ضمانات محدودة لسيادة كييف، تعدها أوروبا وصفة لسلام هش، يفتح الباب أمام حرب جديدة عند أول اختبار.

أوروبا تعترف بأن المشروع الأميركي قد يشكل أرضية أولى للنقاش، لكنها ترفض اعتباره اتفاقاً جاهزاً. المطلوب، في رأيها، تعديل عميق يضمن بقاء أوكرانيا دولة ذات سيادة كاملة، من دون تنازلات جغرافية أو سياسية.

يدرك الأوروبيون أن أي تسوية غير متوازنة ستنعكس مباشرة على توازن القوى في القارة. فأوكرانيا بالنسبة إليهم ليست طرفاً بعيداً، بل خط دفاع أمامي، وانهيارها أو إضعافها يعيد أوروبا إلى ما يشبه أجواء الحرب الباردة.

وكون الاتحاد الأوروبي أكبر داعم مالي واقتصادي لأوكرانيا، يجعله يرفض أن تتحول عملية السلام إلى ساحة تفاوض أميركية–روسية تستدعى إليها أوروبا لاحقاً كشريك ثانوي. لذلك ازداد الضغط الأوروبي للمشاركة في صياغة الضمانات الأمنية وتحديد آلية استخدام الأصول الروسية المجمدة في إعادة الإعمار.

وعلى رغم الانتقادات، يرى بعض العواصم الأوروبية أن هناك فرصاً يمكن البناء عليها. فوقف الحرب أصبح هدفاً ملحاً لاقتصاديات تتأثر بشكل مباشر بأسعار الطاقة، والإنفاق العسكري، وتحديات اللجوء. كما أن وجود إطار تفاوضي، مهما كان ناقصاً، قد يشكل نقطة انطلاق جدية إذا تمت إعادة صياغته بطريقة تعكس المصالح المشتركة للغرب وأوكرانيا.

نجاح الخطة بالنسبة لأوروبا يرتبط بقدرتها على إدخال عناصر أساسية، ضمانات أمنية واضحة وملزمة، إشراف أوروبي مباشر على آليات السلام، وتوزيع عادل لأدوار إعادة الإعمار. كما أن أوروبا تراهن على استخدام الأصول الروسية المجمّدة لتمويل جزء كبير من إعادة البناء، شرط ألا تدار العملية بشكل أحادي من واشنطن.

وأكبر معوّقات الخطة هي تلك البنود التي ينظر إليها الأوروبيون على أنها تنازلات مجانية لروسيا. التخلي عن أراض أو فرض عفو عام عن الجرائم المرتكبة على الأراضي الأوكرانية، سيجعل أي اتفاق فاقداً للشرعية في نظر الأوكرانيين والأوروبيين على حد سواء.

ثم إن غموض التعهدات الأميركية يقلق أوروبا، بخاصة في ظل تغير المناخ السياسي في واشنطن. فثقة الأوروبيين باستمرارية الدعم الأميركي ليست في أفضل حالاتها، وبالتالي فإن أي اتفاق سلام يعتمد على ضمانات أميركية فضفاضة سيكون معرضاً للفشل من لحظة ولادته.

لقد أثبت الاتحاد الأوروبي أنه قادر على تحمل جزء كبير من أعباء الحرب، سواء عبر الدعم المالي أو العسكري أو الإنساني. لكنه يدرك أن افتقار أوكرانيا للدعم الأميركي سيجعل أي معادلة قوة على الأرض مختلة، لأن الولايات المتحدة تملك القدرات العسكرية الأكثر تأثيراً، وتملك نفوذاً ضرورياً لردع روسيا.

 

لذلك، فإن أوروبا تستطيع الاستمرار في دعم أوكرانيا من دون الولايات المتحدة، لكنها لا تستطيع تحقيق انتصار أوكرانيا أو فرض سلام عادل من دون شراكة أميركية واضحة وقوية.

يبقى القول، الموقف الأوروبي من خطة السلام الأميركية هو موقف حذر، لكنه ليس عدائياً. فالعواصم الأوروبية تريد نهاية عادلة للحرب، لكنها ترفض سلاماً يقوم على حساب أوكرانيا وأمن القارة. وأوروبا اليوم أمام اختبار كبير، إما أن تنجح في إعادة صياغة الخطة بشكل يوازن بين قوة واشنطن ومصالحها، وإما أن تجد نفسها أمام تسوية تفرض عليها، بما تحمله من مخاطر طويلة المدى.

 

*باحث ومستشار سياسي 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق