ذكرى انتهاء "حرب الاسناد" في لبنان 27 تشرين الثّاني 2024 - تواصل نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
ذكرى انتهاء "حرب الاسناد" في لبنان 27 تشرين الثّاني 2024 - تواصل نيوز, اليوم الخميس 27 نوفمبر 2025 10:13 صباحاً

فاتن كحيل

 

 

 

 

في السّابع والعشرين من تشرين الثّاني 2024، يستعيد اللّبنانيّون الذكرى الأولى لانتهاء حرب الاسناد، تلك الحرب التي فرضت نفسها على الجنوب اللّبناني طوال أشهر، وفتحت جرحاً جديداً في ذاكرة البلاد التي لم تندمل حروبها بعد. لم يكن ما عاشه لبنان مجرّد مواجهة عسكرية عابرة؛ بل كان نزيفاً يوميّاً امتدّ من القرى الحدوديّة حتّى المدن، نزيف طاول البشر والحجر، وأعاد إلى السطح أسئلة الأمن والسيادة والكرامة الوطنيّة.
بدأت "حرب الاسناد" تصعيداً ميدانياً في أعقاب حرب غزة الكبرى، إذ تحوّل الجنوب إلى جبهة مفتوحة، وتكشف العمليّات العسكريّة بين إسرائيل والمقاومة اللّبنانيّة، ما أدّى إلى سلسلة واسعة من الاستهدافات التي طاولت منازل المدنيين، الطرق، البنى التحتية، والحقول التي كانت مصدر رزق لعشرات آلاف العائلات. ومع مرور الأسابيع، اتسع نطاق النزوح، فتدفق السكان من القرى الحدوديّة نحو المناطق الأكثر أماناً، تاركين خلفهم أرزاقهم وأراضيهم التي تحولت إلى ساحات مواجهة أو مناطق محظورة.
على المستوى السياسي، شكّلت الحرب اختباراً للداخل اللبناني بكلّ تبايناته. ورغم الخلافات التي ظهرت في مقاربات القوى السياسية، بقيت الساحة الداخلية متماسكة نسبياً أمام تصاعد الضغوط الدوليّة والاقليميّة. أمّا خارجياً، فشهد لبنان سلسلة اتصالات دوليّة كثيفة هدفت إلى منع توسّع الحرب وتحويلها إلى مواجهة إقليمية شاملة، في وقت ركزت الدول المعنية على تثبيت قواعد الاشتباك ومنع الانزلاق إلى حرب واسعة.

964289.jpeg_173840_large_100914.webp

وعلى الأرض، كان وقف النّار في 27 تشرين الثّاني 2024 تتويجاً لمسار شاقّ من المفاوضات غير المباشرة، شاركت فيه أطراف دوليّة عدّة، تمهيداً لمرحلة من إعادة التقييم الأمني جنوباً، وبحث مستقبل الوضع الحدودي في ضوء المتغيرات الإقليميّة. إلاّ أن هذا التوقف لم يُنهِ آثار الحرب، بل كشف حجم الدمار الذي لحق بالبلدات الجنوبيّة، وحجم الخسائر الاقتصادية والزراعيّة، بدءاً من البيوت المدمّرة وصولاً إلى الأراضي التي تحوّلت إلى مناطق مزروعة بالقنابل العنقوديّة وبقايا الذّخائر غير المنفجرة.
وبعد عام على انتهاء الحرب، يعيش الجنوب بين محاولات النهوض وإعادة الاعمار من جهة، وبين استمرار التوتّر الحدودي والتهديدات الاسرائيليّة من جهة ثانية. ورغم بطء عمليّات التعويض وإعادة البناء، عاد عدد كبير من الأهالي إلى قراهم، متّحدين آثار الحرب الثّقيلة، ومستعيدّين نمط حياة يحاولون ترميمه رغم الصّعوبات.
ومع أنّ الذّاكرة ما زالت طازجة، فإن مشاهد العودة – المدارس التي فتحت أبوابها، الحقول التي أعيد حرثها، أصوات الحياة التي عادت إلى السّاحات – شكّلت رسائل واضحة عن صمود الجنوبيين وإصرارهم على تجاوز آثار الحرب.
ورغم تعقيد المشهد، تبقى الذكرى الأولى لوقف "حرب الاسناد" علامة فارقة في التّاريخ اللبناني الحديث. فهي تذكير بثقل الحرب وبقوّة الألم الذي خلّفته، لكنّها كذلك تذكير بصلابة المجتمعات الجنوبيّة التي استطاعت، رغم الخسائر الهائلة، أن تعود إلى أرضها وتحاول بناء ما هُدم. إنّها ذكرى تحمل في طيّاتها تناقضات كثيرة: هدنة غير مكتملة، أمل هشّ، وواقع يحتاج إلى سنوات كي تستعيد توازنه.
بعد عام على انتهاء الحرب، يبقى لبنان واقفاً على مفترق طرق، الجنوب ينهض ببطء من تحت الركام، والبلاد تراقب بحذر تحوّلات الإقليم. وبين السؤال والاحتمال، يبقى يوم 27 تشرين الثّاني شاهداً على لحظة توقّفت فيها الحرب، وبدأت معها رحلة أخرى لا تقل صعوبة: رحلة العودة إلى الحياة.
في هذه الذّكرى، يطرح اللّبنانيّون سؤالهم الدّائم: هل كانت "حرب الاسناد" محطّة عابرة في سلسلة صراعات مستمرّة، أم أنّها ستصبح نقطة تحوّل تفرض مقاربة جديدة للأمن والسيادة ومستقبل الحدود؟ وفيما تبقى الإجابات مرتبطة بالتطورات الاقليميّة والدولية، يبقى المؤكد أن الجنوب لا يزال يحمل بصمات نزيف الحرب، لكنّه يحمل أيضاً إرادة الحياة التي لا تهزم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق