لماذا حصد يحيى الفخراني جائزة الاستحقاق الكبرى في مصر؟ - تواصل نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لماذا حصد يحيى الفخراني جائزة الاستحقاق الكبرى في مصر؟ - تواصل نيوز, اليوم الثلاثاء 25 نوفمبر 2025 10:15 صباحاً

يأتي إجماع مجلس أمناء مؤسسة فاروق حسني للثقافة والفنون على اعتماد ترشيح الأمانة العامة لجائزة الاستحقاق الكبرى لعام 2026 للفنان يحيى الفخراني، ليكون التكريم الثاني المستحق للفنان المصري المخضرم (1945-..) هذا العام، إثر بلوغه الثمانين من عمره.

وأرجعت مؤسسة فاروق حسني للثقافة والفنون نيل الفخراني جائزة الاستحقاق الكبرى إلى مسيرته الفنية الثرية وعطائه الممتد في إثراء الدراما والمسرح المصري والعربي، إذ يمثّل القامة الأكبر الآن على الساحة الفنية في المسرح والسينما والدراما التليفزيونية، وتجسّد أعماله علامات فارقة فى تاريخ الفن وتطوره. وتحمل المؤسسة اسم التشكيلي البارز فاروق حسني وزير الثقافة المصري الأسبق، وهي مؤسسة مستقلة أنشئت عام 2019 باعتماد من وزارة التضامن الاجتماعي في مصر، وتعنى بدعم النشاط الفني والثقافي في فروع الإبداع المتنوعة، وتعزيز قيم الجمال والابتكار.

 

يحيى الفخراني مجسّداً الملك لير. (G.R Group)

يحيى الفخراني مجسّداً الملك لير. (G.R Group)

 

هذا التكريم الثاني للفخراني، خلال العام الجاري، سبقه تكريم أوّل من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "ألكسو" باختياره رمزاً للثقافة العربية لعام 2025، وذلك تقديراً لإسهاماته البارزة في مجال الفن والثقافة العربية، حيث "أدى دوراً مهمّاً في تعزيز الهوية الثقافية العربية، على مدار مسيرته الطويلة، وواصل إبداعاته التي أثّرت في الأجيال المختلفة؛ فأصبح رمزاً من رموز الفن المصري والعربي"، وفق منظمة "ألكسو". وقد أثنى وزير الثقافة المصري التشكيلي أحمد فؤاد هنو على هذا الاختيار، واصفاً فوز الفخراني بأنه اعتراف دولي بمكانة الفنان، وتأكيد لدور مصر في إثراء الحياة الثقافية والفنية في العالم العربي، وأهمية القوى الناعمة في تعزيز التواصل بين الشعوب.

تفوق استثنائي
هذه العناوين العريضة التي تتضمنها حيثيات التكريمين تطرح سؤالاً جديراً بالإجابة على المستوى الفني: لماذا حصد يحيى الفخراني جائزة الاستحقاق الكبرى، ومن قبلها اختير رمزاً للثقافة العربية؟ وبصيغة أخرى: ما مسوّغات استحقاقه هذا التتويج في مجاله على منصة أصحاب الإنجازات الاستثنائية؟

 

في مسلسل “شيخ العرب همام“.

في مسلسل “شيخ العرب همام“.

 

ورغم أن أية إجابة موضوعية عن هذا السؤال تقتضي قدراً من التفصيل اللائق، الذي لا تتيحه لوازم التقيد بالإيجاز، فإنه يمكن القول إن تجربة يحيى الفخراني تكتسب استثنائيتها من خصائص محددة، من أهمها: التنوع، والزخم، والامتداد، والفرادة في الانتقاء والأداء، بما يمنحها القدرة على التأثير الحقيقي الفاعل، ويُكسبها التميز الكيفي (النوعي)، والتفوق الكمي (العددي)، على السواء.

يتوزع حضور يحيى الفخراني على مجالات فنية متنوعة، منها الدراما والحلقات الإذاعية، والمسلسلات التليفزيونية، والأعمال المسرحية، والأفلام السينمائية. ويمتد هذا الحضور الكثيف الزاخم على مدار أكثر من 55 عاماً، منذ وقوفه على خشبة المسرح الجامعي وأدائه روائع عالمية لبرنارد شو وغيره، وحصوله على جائزة أحسن ممثل على مستوى الجامعات المصرية، وذلك في أثناء دراسته في كلية الطب بجامعة عين شمس في القاهرة، التي تخرج فيها عام 1971، وصولاً إلى آخر أعماله "الملك لير" هذا العام 2025، حيث يعيد اكتشاف نفسه ويجدد لقاءه الكلاسيكي مع وليام شكسبير في معالجة إبداعية مبتكرة من إخراج شادي سرور على المسرح القومي.
تقود موهبة الفخراني الفذة، وتلقائيته البكر غير المصطنعة، إلى تمكّنه من تغيير وجوهه، وتلبّسه شخصيات بالغة التنوع، وإجادته في أنساق مختلفة، كوميدية وتراجيدية، ذات طابع اجتماعي مستساغ، وحس إنساني مرهف، مما يجعلها غير قابلة للنسيان. 

 

في فيلم “عشرة على عشرة“.

في فيلم “عشرة على عشرة“.

 

التشخيص الصوتي
بالصوت وحده حتى، بعيداً عن التشخيص الجسماني والأداء البصري والحركي الملموس، قدّم يحيى الفخراني من خلال حساسية حنجرته ومصداقية انفعالاته وحدها، صورة مجسمة نابضة للكوميديا الاجتماعية القائمة على النقد الساخر البنّاء، وذلك من خلال المواقف المحبوكة والمفارقات التي يجري رسمها وتفجيرها بعناية ووعي، من دون إسفاف أو اتكاء على الإفيهات المجانية. واستوعبت أعمال الكاتب الساخر يوسف عوف طاقة الفخراني وحسن عابدين وخيرية أحمد ورفاقهم في مسلسلات وحلقات ناجحة حققت صدى هائلاً في الإذاعة في الثمانينيات، منها "عجبي" و"مش معقول".

بإهاب الكوميديا الاجتماعية أيضاً، ولكنْ صوتاً وصورة في هذه المرة، تعددت مغامرات يحيى الفخراني ووجوهه الانتقادية الهادفة إلى تجاوز الضحكة المجردة نحو تعرية السلبيات المجتمعية وبلورتها والسخرية منها، أملاً في إصلاحها. ويأتي مسلسله التليفزيوني "ريش على مفيش" (1978)، الذي كتبه أسامة أنور عكاشة، في هذا المضمار، حيث جسد الفخراني شخصية شاب فاشل كسول تقوده الصدفة والأكاذيب الإعلامية إلى أن يصير بطلاً شعبيّاً في عيون الناس، فيقرر التمادي في خداع الآخرين بدلاً من أن يغيّر ذاته.

 

في مسلسل “دهشة“.

في مسلسل “دهشة“.

 

الروح المرحة
بالروح المرحة أكسب يحيى الفخراني شخصيتيه في مسلسلي "أبنائي الأعزاء شكراً" (1979) و"صيام صيام" (1981) أبعاداً ثرية ومركّبة. وأثبت من خلال أدائه المتوازن أن جدية الطرح للقضايا الأسرية والاجتماعية والإنسانية عموماً لا تتنافى مع رشاقة الحضور وخفة الظل، وهي التوليفة التي طوّرها الفخراني كثيراً في أعمال سينمائية لاحقة، منها: "إنهم يسرقون الأرانب" (1983)، و"دعوة للزواج" (1983)، و"خرج ولم يعد" (1985)، و"الكيف" (1985)، و"عشرة على عشرة" (1985)، و"مبروك وبلبل" (1998)،  وغيرها.

ولم تكن السمات الجسمانية للفنان هي الوسيلة الأسهل لنسج ملامح هذا المرح وتلك الكوميديا شأن فنانين آخرين اعتمدوا في المقام الأول على الأبعاد الشكلانية، وإنما أنتج الفخراني معادلته العميقة لاستخراج مكنون هذه الشخصيات وما تنطوي عليه من مآسٍ قد تصلح للضحك، وضحكات قد تصنع الألم، ووجد في انتقاءاته الدقيقة وتعامله مع كبار المؤلفين والمخرجين ضالته لإبراز قدراته التمثيلية والأدائية كما يليق بإمكاناته الهائلة وسطوته التأثيرية الفائقة.

 

مسلسل “ريش على مفيش“.

مسلسل “ريش على مفيش“.

 

مباريات فارقة
أما المباريات التعبيرية الأكثر صعوبة، فتتجلى في ما يمكن تسميته الأدوار العريضة أو تلك الشخصيات المتسعة، المفتوحة على مساحات كبرى للصراعات والتناقضات المثيرة للدهشة، خصوصاً على مستوى الأبعاد النفسية الغائرة والمسكوت عنها، والتي تتطلب حيوية غضة، وديناميكية مشتعلة، وخبرات وتجارب كبيرة، ومعرفة وثقافة تراكمية لدى الممثل، ليتمكن من تقمصها بإقناع وتشكيل فضاءاتها الشاسعة.

وإلى هذه النوعية تنتمي أعمال غير هيّنة للفخراني، منها مثلاً دوره الفارق في فيلم "الغيرة القاتلة" (1982) المأخوذ عن "عطيل" لشكسبير من إخراج عاطف الطيب، حيث أدى شخصية "مُخْلِص"، ذلك الذي يدّعي أنه وفيّ ومخلص بينما يأكل الحسد قلبه إزاء صديقه رجل الأعمال الناجح، ويحاول تحطيمه وتدميره.

كما تندرج أدوار أخرى كثيرة له في منظومة الملكات المتجاوزة والطاقة الانسيابية المتدفقة، كتلك الشخصيات التي لعبها في مسلسلات "ليالي الحلمية" عبر خمسة أجزاء (1987-1995)، و"دهشة" (2014)، و"شيخ العرب همام" (2010)، و"ونوس" (2016)، و"الخواجة عبد القادر" (2012)، وغيرها. وتضاف إلى ذلك مسرحياته التي تتحدى الزمن، وعلى رأسها "الملك لير" لشكسبير، التي أعاد الفخراني تقديمها أكثر من مرة. وفي العرض الأخير لها هذا العام، يصل الفخراني إلى الثمانين من عمره مناهزاً عمر الملك لير نفسه في العرض، ليبلغ العمل مزيداً من الوهج والمصداقية.

أخبار ذات صلة

0 تعليق