نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لماذا لا يتحدّث أحد عن الأدب الذكوري في النصوص العربية؟ - تواصل نيوز, اليوم الجمعة 28 نوفمبر 2025 11:53 صباحاً
تواجَهُ الكاتباتُ دائماً بأسئلةٍ تحاول وضع نصوصهن في خانةِ الأدبِ النسوي، وكأنّ ما يكتبنه معنيٌ بقضايا المرأةِ وحدها أو يقدّمُ حصراً من منظور نسوي بحت يختلفُ عمّا يكتبهُ الكُتّابُ الرجال. في المقابل، نادراً ما يُطرحُ التساؤل ذاته حول الأدب الذكوري، رغم أنّ هذه الرؤية لا يعبّر عنها بالضرورةِ الرجالُ فقط، بل تتبنّاها كاتبات أيضاً على النحو نفسهِ.
"النهار" تواصلت مع أدباء وأديبات بارزين في مجالاتِ الروايةِ والشعر والنقدِ والإعلام، لبحث ما إن كانت صورة المرأة في السرد العربي، قد شهدت تحوّلاً في العقودِ الأخيرة، ولماذا يُستحضَر مفهوم الأدب النسوي باستمرار مقابل غياب الحديث عن الأدب الذكوري، ومتى يمكننا الحديث عن أدب إنساني متحرّر من التصنيفات الجندرية؟
الرجل هو المعيار... المرأة هي الآخر
ترى الروائية مايا الحاج أنّ الأدب العربي، شأنه شأن معظم الآداب العالمية، ظل قائماً على مركزية الصوت الذكوري. وتشيرُ إلى أنّ الحديث عن ثنائية الذكورة والأنوثة يستدعي تلقائيا ثنائية السلطة والهامش. فالرجل في الأدب هو المعيار أمّا المرأة فهي "الآخر". وتقول إنّنا إذا راجعنا الحركة النقدية تاريخياً، فسنجد أنّ مصطلح الأدب الذكوري نفسه لم يظهر إلاّ بعد ظهور مصطلح الأدب النسوي، وهو لا يستخدم عادة في النقد لأنّ الأدب عموماً هو ما يكتبه الرجل غير أنّ الأدب الذي تكتبه المرأة هو الذي يحتاج إلى تصنيف كنوعٍ من أنواع التمييز.
الروائية مايا الحاج.
وتؤكّد مايا الحاج أنّ الواقع قد تغيّر كثيراً بعد مساراتٍ نضالية كثيرة خاضتها كاتبات رائدات، وتعتقد بأنّ النظرة المشكّكة حيال "أدب النساء" قد تقلّصت نوعاً ما ولكن مثل هذه التصنيفات "التحيزية" مازالت في حاضرة برغم وجود الكثير من المساعي التي تُبذل من أجل إلغائها. وتضيف بأنّ الأدب الإنساني لن يتحرّر من التصنيفات الجندرية إلاّ حينما يتحرّر العقل الإنساني نفسه من كل هذه الحمولات والتصنيفات لأنّ الأدب يحتاج إلى وعي نقدي يُعامل النص على أساس جودته وجمالياته وليس جندريته أو جنس مؤلفه.
وتفسّرُ مايا أكثر رأيها بأنّ الأدب العربي نشأ في إطار ثقافةٍ مركزها الذكَر، تماماً كما كانت الحياة نفسها هي مسرح تجارب للرجل في حين ظل البيت هو مكان المرأة ومحور حياتها. وهذا ما جعله ينعكس على طريقة التفكير والإبداع قبل أن تتغيّر بعض الأمور وتترك أثرها جلياً في الأدب الذي تكتبه مبدعات عربيات، مثل رواية مريم الحكايا التي فتحت الباب على نوع جديد من الكتابة عبر لعبة شهرزداية ساقت المرأة من الهامش ووضعتها في مركز السرد/ الحياة. أو رواية سيدات القمر لجوخة الحارثي وهي أوّل رواية عربية تفوز بمان بوكر العالمية، أو رواية مستر نون لنجوى بركات التي وصلت الى القائمة النهائية لجائزة EBRD، ناهيك عن أعمال رضوى عاشور وحنان الشيخ وإنعام كجه جي وهدى بركات وروائيات كثيرات لعبن دوراً مُهمّا في كتابة الأدب العربي الحديث.
"الإبداع لا أعضاء جنسيةَ له"
يقولُ الروائي والدكتور أمين الزاوي إنّ أيديولوجيا الذكورة لا تزال هي من تحدّد شكل النقاش ومضمونه، بل في كثيرٍ من الأحيان نلمس في خطابات بعض الحركات النسوية العربية، وهي تسعى إلى تحرير المرأة، ما يشبه إعادة إنتاج أساليب خطاب ذكوري بصيغة المؤنث! حتى ليبدو هذا الخطاب النسوي مشبعاً بأيديولوجيا فحولة الذكورة الفارغة التي تطالب بإسقاطها، ويشيرُ إلى أنّ الفراغ الفلسفي الذي تعرفه نقاشاتنا الفكرية والسياسية والجمالية والدينية هو ما يعيد في كل مرة الحديث عن الأدب النسوي من جديد.
الروائي والدكتور أمين الزاوي.
ويؤكّدُ أمين أنّ الرؤية الذكورية لا تزال قائمة في الأدب العربي، ويتجلى ذلك في تيارين يبدوان في الظاهر متعارضين ولكنهما في الجوهر متشابهين، ويفسّر بأنّ التيار الأول هو الذي يستعمل الخطاب الديني السياسي لتمكين سلطة الذكورة اعتماداً على مجموعةٍ من النصوص الدينية المشبوهة والتي تم تثبيتها في متون التراث من قبل بعض الفقهاء، وأمّا التيار الثاني فهو ذلك الذي يتلبس خطاباً أبوياً رومانسياً ظاهره "تحرّري" لكنه خطاب يبتهج بتحويل المرأة من إنسانٍ تاريخي إلى كائن سريري إمتاعي أو إنجابي، وفي الحالين يتم تكريس الذكورة ويظهر هذا في كثير من النصوص الروائية العربية والمغاربية.
يذكّرنا أمين الزاوي بمرور قرن وربع على صدور كتاب "تحرير المرأة" لقاسم أمين، والذي مثّل منعطفاً فكرياً وسياسياً مفصلياً، ومع ذلك لم تنم جبهة أعداء محاربة حرية المرأة وأعداء المساواة بين المرأة والرجل، ولكنّنا نسجل في الوقت نفسه، صعود جبهة صناع الحداثة لدى المثقفين التنويريين من الرجال والنساء، ويضيف أنّ الواقع يبيّن حضور المرأة المبدعة في شتى الفنون كالأدب والسينما والفن التشكيلي والمسرح وتمكنها من نحت مصفوفات من الأفكار الحداثية الجديدة. يختمُ الزاوي قوله بأنّ الأدب لا هو ذكر ولا هو أنثى، فالإبداع لا أعضاء جنسية له، ويعتقد بأنّ تحرّر الإبداع من التصنيفات الجندرية يتحقق عندما تتوفر الديمقراطية ويتمكّن المواطن في بلدان الجنوب من التمتع بخيرات الثقافة الإنسانية بعيداً عن الخوف من الآخر.
"لم تعد المرأة رمزاً أو مجازاً بل كائناً يكتب"
ترى الشاعرة والإعلامية لوركا سبيتي أنّ المرأة لطالما كانت الهامش الذي كُتبت عنه القصص لا الذي كتبها. منذ شهرزاد التي أنقذت حياتها بالحكاية، كانت اللغةُ وسيلتَها للنجاة، لا للهيمنة. أمّا الأدب الذكوري فلم يُسأل قط، لأنّه كان هو "النظام"، هو اللغة نفسها. وتضيف بأنّ صورة المرأة، قد تغيّرت لكنها ما زالت تُصارع كي تُرى من الداخل لا من المرايا.
الشاعرة والإعلامية لوركا سبيتي.
تقول لوركا إنّنا أصبحنا نرى الآن كاتبات يتنفسن هواءهن الخاص، يكتبن لا ليبرّرن وجودهن بل ليصنعنه. لم تعد المرأة رمزًا أو مجازًا، بل كائنًا يخطئ ويشتهي ويغضب ويكتب. ومع ذلك، ما زال في لغتهن طيفُ سلطةٍ ذكورية تتسلّل إلى السرد كما يتسلّل الغبار إلى الضوء. وتشيرُ إلى أنّ الأدب الذي يكتبه الرجال لم يكن يومًا واحدًا؛ فالرجل الذي كتب في الماضي كان يكتب من علوّ الأبوة، من يقينِ المالك والناطق باسم الجميع. أمّا الكاتب اليوم، فيبدو أكثر تواضعًا أمام هشاشته، أكثر وعيًا بأنّ العالم لم يُخلق على صورته وحده. ومن خلالِ قراءاتها تقول بأنّنا نرى في نصوص بعض الكتّاب الجدد من إلياس خوري إلى محمد حسن علوان حسًّا تأمليًا يقترب من الداخل الإنساني أكثر مما يتكئ على البطولة أو السيطرة. في المقابل، تكتب المرأة غالبًا من الجرح، من الحافة، من الرفض ومن وعيها بأنّ الصوت مكسب لا هبة.
تؤمنُ لوركا سبيتي بأنّ الأدب الإنساني سيولد حين لا يُسأل الكاتب عمّا بين فخذيه بل عمّا بين سطوره، حين لا يكون الجندرُ قيدًا بل مجرد ظلٍّ خلف النص. حين الأدب الإنساني هو الذي يجرؤ على قول الإنسان كلّه، لا نعرف من كتب ولا يهمنا بل ماذا كتب فقط.
"الأدب يتعامل مع الوجود كمساحةٍ مشتركة"
يؤكّدُ الروائي والمترجم عبد المجيد سباطة أنّ وجهات النظر تختلف عندما يتعلق الأمر بهذا الموضوع الشائك، إذ ما زالت الحدود بين المؤلف والسارد والشخصية مبهمة في سياقات متعددة، ما يحشر الكاتب في زاوية الدفاع المستمر عن طبيعة تقديمه لشخصية أنثوية في عمله الأدبي، في مواجهة آراء متطرفة، ترى أنّ أي تقديم سلبي لشخصية امرأة هو تهجم ذكوري، ما يخلق أحيانا خللاً في ميزان القراءة والتعاطي مع النص.
الروائي والمترجم عبد المجيد سباطة.
ويفسّر أنّه عندما يتكلم من زاوية المبدع، لا الناقد المتخصص، فهو يميل إلى الحديث عن الأدب الإنساني، المتحرّر من كل التصنيفات الجندرية. فهو يؤمن بأنّ للكاتبات مثلا قدرة أقوى وأدق على نقل عمق عواطفهن وتفاعلاتهن النفسية، وهو ما لا يتأتى في الجبهة المقابلة إلا لعباقرة الكتاب الذكور، لكنّه لا يعتبر في الآن نفسه أنّ هوية الكاتب هي المدخل الأساسي للفهم. فالأدب في نظره تجربة إنسانية متفردة، تسعى أولا إلى الكشف قبل الدفاع. والأهم أن يتقن الكاتب عمله، فالأدب هو الذي ينصت إلى الإنسان، ويتعامل مع الوجود كمساحة مشتركة للبحث عن المعنى، لا كميدان لصراع مفتعل بين الهويات.
على صعيد آخر، يعتقد عبد المجيد أنّ التطور النوعي في السرد العربي خلال السنوات الأخيرة، مع تأثره بالحركية المجتمعية العربية المتغيرة، وتفاعله مع باقي الآداب العالمية، ساهم في تغير صورة المرأةِ، إذ لم تعد محصورة دوما في أدوار الضحية أو التابع فصارت الآن فاعلة، تروي ذاتها، بل وتعيد كتابة التاريخ من وجهة نظرها، لكن وجبت الإشارة إلى أنّ بعض النصوص التي تجد طريقها إلى الترجمة، لا تعكس هذا التطور الإيجابي، بل تكرّس نظرة استشراقية يراد لها أن تبقى مكرسة.










0 تعليق