
التحديات التي تواجه سوق العمل السعودي
يواجه سوق العمل السعودي أزمة فريدة من نوعها تتمثل في التناقض بين الدعم الحكومي الكبير الذي يصل إلى 70% من راتب المواطن السعودي وعدم رغبة القطاع الخاص في توظيفهم. على الرغم من التحفيز المادي، تفضل الشركات الخاصة توظيف العمالة الوافدة في العديد من المناصب، حيث يعتبر العديد منها المواطن السعودي عبئاً وكلفة إضافية، بدلاً من أن يُنظر إليه كاستثمار في الكفاءات الوطنية.
الاختلاف في التوظيف بين السعوديين والعمالة الوافدة
أشار مستشار الموارد البشرية، أحمد القحطاني، إلى أن معظم الشركات توظف السعوديين بسبب الضغط لتحقيق نسب التوطين المطلوبة، وليس بدافع حقيقي للاستفادة من قدراتهم ومهاراتهم. الأمر يقتصر على مجرد “أرقام” ضمن السجلات، ما يحول عملية التوظيف إلى سجلات إدارية فقط دون بناء استراتيجية حقيقية للقوى العاملة.
من المفارقات العجيبة أن التفضيل للعمالة الوافدة يستمر رغم الدعم الحكومي الاستثنائي. الحكومة السعودية تغطي جزءاً كبيراً من تكاليف توظيف المواطنين، ما يجعل استقطابهم أقل كلفة من العمالة الأجنبية، ورغم ذلك تستمر هذه الشركات في تجاهل المزايا الاقتصادية التي يوفرها توظيف السعوديين.
يرى القحطاني أن سبب هذه المعاناة يعود إلى استمرار القطاع الخاص في استيراد قيادات من دول غير متقدمة ومن جامعات غير معروفة، والذين لا يمتلكون الرؤية الكافية لتقييم الكفاءات السعودية بشكل موضوعي. يتساءل القحطاني: كيف يمكن لقيادات غير مؤهلة أن تختار وتقيّم الكفاءات الوطنية بشكل نزيه، في ظل إمكانية وجود تحيزات مسبقة أو نقص في المعايير العلمية في عملية التقييم؟
تظهر الفجوة بوضوح عند مقارنة القطاع الخاص بالقطاع الحكومي. وفقاً للقحطاني، فإن الجهات الحكومية متقدمة على القطاع الخاص بما يتعلق بتطبيق المفاهيم الحديثة حول التوظيف والتطوير المهني. فقد أنشأت الحكومة أنظمة توظيف تركز على المهارات، بينما لا يزال القطاع الخاص في حالة من التأخر.
لمواجهة هذه التحديات، ينصح القحطاني الخريجين الجدد بتحويل مؤهلاتهم الأكاديمية إلى مهارات عملية قابلة للتسويق. هذا التحول بات ضرورياً لاختراق سوق عمل يُعلي من قدرات الممارسة على حساب الشهادات الأكاديمية. إذ تُعتبر الشهادة الجامعية مجرد مدخل للسوق خلال السنوات الخمس الأولى من المسيرة المهنية، وبعد ذلك تصبح المهارات والتجربة القصص الحقيقية للنجاح والترقية.
التوجه العالمي نحو تقدير المهارات بدلاً من الشهادات، لا يزال بحاجة إلى تطوير في السوق السعودي، حيث لم ينضج تطبيق هذا المفهوم بعد. التحدي الأهم يبقى في تغيير العقليات والممارسات في القطاع الخاص، على الرغم من أن الحكومة تقدم حوافز مالية كبيرة لدعم التوظيف.
الوضع الحالي يتسم بمفارقة: حكومة تضع استثمارات هائلة في دعم التوظيف، ومواطنون مؤهلون ومدعومون، لكن يبقى القطاع الخاص متردداً في استغلال هذه الفرصة لبناء قاعدة عمالية وطنية قوية. السؤال البارز هو: متى يدرك القطاع الخاص أن الاستثمار في الكفاءات السعودية فرصة اقتصادية واستراتيجية حقيقية بدلاً من كونه مجرد التزام وطني، وكيف يمكن تسريع هذا التغيير لضمان الاستفادة من الموارد المتاحة؟