يشكّل نجاح انطلاق القمر الاصطناعي «فاي-1» من قاعدة فاندنبرغ الجوية في الولايات المتحدة محطة جديدة في مسيرة الإمارات الفضائية، ويعكس التزامها المتزايد بتمكين الدول والمؤسسات حول العالم من الوصول إلى الفضاء. فمع الإعلان الذي أصدره مركز محمد بن راشد للفضاء، الجمعة، تتجدد صورة الدولة كأحد أبرز اللاعبين الإقليميين والعالميين في قطاع الفضاء، عبر مبادرات تركز على توسيع نطاق الابتكار وتعزيز الشراكات الدولية. ويأتي «فاي-1» ضمن إطار مبادرة استضافة حمولة الأقمار الاصطناعية، التي تتعاون فيها الإمارات مع مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي، بهدف توفير منصة اختبار تقنية متقدمة للدول التي تسعى لاقتحام المجال الفضائي دون امتلاك بنى تحتية معقدة أو مكلفة.

تطوير إماراتي كامل ومبادرة تدعم الابتكار العالمي

يمثل القمر الاصطناعي «فاي-1» أول منصة معيارية يتم تطويرها في إطار مبادرة استضافة الحمولة، ضمن برنامج «الوصول إلى الفضاء للجميع». وقد أشرف مركز محمد بن راشد للفضاء على تصميم وتجميع القمر بالكامل داخل مرافقه في دبي، وهو ما يبرهن على القدرات الهندسية التي باتت الإمارات تمتلكها في مجال تصنيع الأقمار الاصطناعية المتقدمة. ويعزز هذا الإنجاز مكانة الدولة باعتبارها مركزاً إقليمياً للتقنيات الفضائية، وبوابةً لدعم المؤسسات والشركاء الدوليين الراغبين في اختبار تقنيات جديدة يمكن أن تُحدث فرقاً في مستقبل استكشاف الفضاء. ويأتي هذا المشروع ليؤكد أن الإمارات لا تعمل فقط على تطوير قطاع فضائي وطني، بل تسعى أيضاً لتأسيس نموذج تعاوني عالمي يسمح بنقل المعرفة وتبادل الخبرات.

منصة معيارية متقدمة لخدمة الأبحاث الدولية

ينتمي «فاي-1» إلى فئة CubeSat 12U، ويبلغ وزنه نحو 20 كيلوغراماً، مع عمر تشغيلي متوقع يصل إلى عام واحد في المدار الأرضي المنخفض. ويهدف القمر إلى تمكين الدول والمؤسسات البحثية من اختبار حلول وتقنيات مبتكرة ضمن بيئة فضائية حقيقية، تشمل مجالات معالجة البيانات، مراقبة الأنظمة في الزمن الفعلي، وتطوير تقنيات اتصالات وأجهزة استشعار متقدمة. وسيتم تشغيله من محطة المتابعة والتحكم التابعة للمركز في دبي، حيث من المقرر أن يبدأ القمر فور وصوله إلى ارتفاع يقارب 500 كيلومتراً بإرسال بياناته العلمية والتقنية. وتحرص الإمارات على مشاركة هذه البيانات مع الجهات المعنية، دعماً للأبحاث المستقبلية التي تسهم في دفع حدود الابتكار العلمي.

رؤية إماراتية لخدمة البشرية عبر التعاون الفضائي

تعكس مهمة «فاي-1» رؤية الإمارات في بناء منظومة فضائية عالمية قائمة على التعاون الدولي، إذ يوفر المشروع منصة مفتوحة للدول والمؤسسات التي تفتقر إلى إمكانات تطوير أقمار اصطناعية كاملة، لكنه يمكّنها من المشاركة الفعّالة في مسيرة الاستكشاف. كما تُبرز المهمة قدرة الإمارات على تقديم دعم تقني كامل لشركائها، بدءاً من مراحل التصميم والاختبار وصولاً إلى التكامل والاطلاق. وتمثل هذه الجهود خطوة مهمة نحو تعزيز الاستفادة من الفضاء لخدمة الإنسانية، من خلال تطوير تطبيقات علمية وتقنية ذات قيمة حقيقية. ومع نجاح إطلاق «فاي-1»، تواصل الإمارات ترسيخ مكانتها كدولة تساهم بفاعلية في مستقبل الفضاء العالمي، وتدفع باتجاه نموذج يقوم على تبادل المعرفة، وتشجيع البحث العلمي، وتمكين الابتكار في كل أنحاء العالم.