نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فرصة ثانية لـ«الكوكب» من شرم الشيخ - تواصل نيوز, اليوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 07:51 مساءً
تواصل نيوز - ربما يكون القدر، والمؤكد أنها المشيئة الإلهية التي جعلتني طرفًا في سلسلة مأموريات متتابعة من طابا، شرقًا، إلى أبو زنيمة، غربًا، مرورًا بالطور وشرم الشيخ ومناطق أخرى في جنوب سيناء، خلال الفترة الأخيرة.. تبدو المناطق جميعها أكثر جمالًا على هامش الذكرى الثانية والخمسين لانتصارات السادس من أكتوبر 1973.. تعبر الروح الوطنية عن نفسها في كل مربع من أرضنا المقدسة.. تتألق أكثر وأكثر وهي تستقبل ما يقرب من نصف «مجلس إدارة كوكب الأرض»، كنقطة تلاقٍ، تكللت باتفاق سلام دولي بين الفلسطينيين وإسرائيل.
في كل ما تم من جهود، تظل مصر محور الارتكاز، تؤمن (بغض النظر عن نوايا الآخرين) بأن السلام ليس استسلامًا، بل اختيارًا شجاعًا لإعادة بناء المستقبل، للحفاظ على الهوية، ومواجهة التحديات التاريخية بعقل متزن وروح تظللها المسئولية.. تبدو هذه المعاني الكبيرة كبيان صادر من الغيب يهبط مع الضوء فوق الجبال المحيطة بشرم الشيخ، بينما أمواج بحرها الهادئ تكاد تهمس بلغات كثيرة، كل موجة منها ترحّب بمن أتى من بعيد.
بدت شرم الشيخ وهي تستقبل ضيوفها مدينة تختصر حضارة دولة، تعبر عن حاضرها.. تصنع تاريخًا وتترك لغيرها قراءته.. في شرم الشيخ، يشع السلام من مدينة السلام.. الحلم الفلسطيني كان حاضرًا على ورق الاتفاق الذي وقعه الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الأمريكي، كان حاضرًا في ضمير الأمة المصرية كلها.. قناعة راسخة ونحن ندعو زعاماتٍ وازنة من الشرق الأوسط والعالم إلى اتفاقٍ قد يثبّت (إذا صلحت نوايا أطرافه) ما تبقّى من الأمل، ويعيد لشعبٍ يتنفس تحت الرماد بعض الضوء.
تتكئ جوهرة السلام، شرم الشيخ، على شاطئ البحر الأحمر، تكتسب وقارها من صمت الجبال، بينما أعلام الزخم الدولي ترفرف على مداخلها، تستقبل وفودًا تتقاطر كأنها متجهة إلى موعدٍ مع التاريخ.. القاعات الرئيسية والفرعية تتهيأ لاختبار ذاكرة السلام، والمصابيح المضاءة بنظام كأنها تحرس لحظة نادرة من صفاء العالم، وخلف الكواليس تدرك مصر (رئاسةً وحكومةً وشعبًا) أنها تمنح العالم درسًا جديدًا في تحويل المستحيلات إلى حلول واقعية، عبر الطموح والمسئولية، وتوحد الإرادة الوطنية مع الجهود الدولية.
شرم الشيخ ليست كـ«تل أبيب»، لا تسمح بالعبث ولا تتعاطى الانبطاح كما حدث من مطار بن جوريون إلى مقر الكنيست.. الاحترام شرط الوجود فيها.. كل شيء مرتب بدقة كأن وراءه يدًا خفية، لكنه في الحقيقة جهد احترافي للمراسم الرئاسية المصرية.. لا شيء يترك للصدفة ولا أي خطوة عشوائية.. في شرم الشيخ الأشجار واقفة كالمقاتلين، حتى الهواء يبدو منظمًا.. في النظام طمأنينة، يعرفها شعبنا منذ 30 يونيو 2013.. التاريخ الفاصل بين الفوضى والانضباط الشامل.
في القاعة الكبرى، الجدران الزجاجية تلتقط الضوء وتعكسه، المقاعد مصطفة بدقة هندسية.. لا أحد يتحدث بصوت مرتفع.. الصمت نفسه يملك سلطة. وجوهٌ جاءت من بعيد تبحث عن لحظة آمنة في هذا المكان. ترامب نفسه اعترف بأننا أكثر أمنًا من بلاده: «قاموا بعمل رائع، لديهم معدل جريمة منخفض.. في مصر لا يعبثون - عندما يتعلق الأمر بالجريمة- كما نفعل نحن في الولايات المتحدة».
في شرم الشيخ، كانت قمة السلام حول غزة فرصة للمكاشفة.. ترامب جدد تأكيداتٍ دولية سابقة تمثل قيمة مضافة لمصر ومؤسساتها: «أنا هنا مع صديقي - الرئيس عبد الفتاح السيسي- قائد قوي.. رئيس وجنرال أيضًا.. أدعوه الجنرال، وهو جيد في كليهما، هذا رجل عظيم.. معك دائمًا.. مصر لعبت دورًا مهمًا للغاية في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار».
في تلك اللحظة تتجاوز الجغرافيا الخرائط، تتحول إلى ذاكرة تتحرك.. مصر أكبر من موقعها على خريطة الشرق الأوسط والعالم.. كنا في منصة ستاد الدفاع الجوي يوم 6 أكتوبر 2013، وزير الدفاع، حينها، الفريق أول عبد الفتاح السيسي، قال برؤية استباقية، استراتيجية: «مصر أم الدنيا، هتكون قد الدنيا».. كانت جملة معبرة في فترة عصيبة.
الإخوان والمجموعات الممولة من عواصم دولية وأخرى راعية للإرهاب الإقليمي كانوا يحطمون منشآت خاصة ومرافق عامة وسط القاهرة وفي المحافظات، كانت مؤسسات دولية تتكالب علينا، وأخرى استسلمت لمصالح قوى تآمرية.. الانتقال من حال إلى حال لم يكن سهلًا (تحريض، إرهاب، مصابون، وشهداء، وضغوط سياسية ودبلوماسية، وعمليات ابتزاز اقتصادية.. .)، قبل أن تبدو مصر الآن كجسر النور الذي يربط الماضي بالمستقبل، قبل أن تتواصل الإنجازات التنموية.
من جلسوا في قاعة القمة الدولية بشرم الشيخ شعروا بأنهم قريبون من الأصل.. المدينة تتكلم بلغتها الخاصة. لا لغة السياسة أو البروتوكول، بل لغة الأمكنة التي عرفت كثيرًا وسكتت أكثر.. كل حجر فيها يعرف أن العالم يأتيها حين تضيق به الطرق الأخرى.
تبدو مواقف الدول كمدّ وجزر البحر الأحمر.. يتقدم قليلًا، يتراجع قليلًا، لكنه لا ينسحب أبدًا.. يذكر الجميع أن الثبات لا يعني الجمود، بل القدرة على البقاء رغم العواصف.
شرم الشيخ خلال استضافتها للقمة الدولية تشبه سفينة عملاقة راسية في عرض الذاكرة.. لا تتحرك كثيرًا، لكنها تحمل على متنها ركابًا من كل اتجاه.. كلٌّ منهم يحمل خريطته الصغيرة، لكنهم الآن على سطحٍ واحد.
الأجواء في القاعة تبدو كصورة مكبرة للعالم: ممثلو الدبلوماسية، والاقتصاد، والقوة، نذكرهم بأنهم بشر قبل أن يكونوا دولًا.. وجوه شاحبة، وأخرى متفائلة، وبعضها يخفي ارتباكه خلف ابتسامة.. ترامب كان كذلك.
هل هو الخطأ في تقدير الموقف منذ البداية، عندما سار خلف رواية إسرائيلية كاذبة من الماضي إلى الحاضر؟.. جشع مصحوب بإفك تاريخي للسطو على الجغرافيا بعد تزوير التاريخ؟.. أم لأنه لم يدرك أبعاد العقلانية المصرية التي عبّر عنها الرئيس السيسي مرارًا وتكرارًا منذ بدء العدوان الصهيوني على أهالي فلسطين في قطاع غزة والضفة الغربية؟
الأجواء الخاصة جدًا تفرض على الجميع مراعاة توازن المشهد، حتى الكلمات تختار طريقها بعناية، لأن أي انفعال زائد قد يوقظ الماضي الذي ينام تحت مائدة القمة.. زعامات أخرى غير ترامب بدت كأنها آتية إلى بيت يعرفونه من قبل.. بيت التاريخ، تدرك أن قمة شرم الشيخ تتجاوز المعنى التقليدي للمفاوضات.. اختبار لقدرة الإنسان على التعايش.
اختبار لنا، نحن حراس الأمن والسلم الإقليميين في صمت، نحن الأكثر اطمئنانًا لأدوارنا وجغرافيتنا. المكان يعرف وظيفته، تبدو شرم الشيخ كحدٍّ فاصل بين عهدين فاصلين.
في الخارج يلتقط المصورون صورًا عابرة، لكنهم لا يعرفون أن اللحظة الحقيقية تستعصي على التصوير.. تكمن في الإحساس الجمعي بأن الأرض القديمة استعادت دورها، وأن مصر (عاصمة التاريخ وناصية الجغرافيا) قادرة على جمع المختلفين، تأخذ بالأسباب، لكنها ليست «المغسل وضامن الجنة» معًا.
لا أحد يعرف إن كان ما قيل سيغيّر المعادلة أم لا؟، لكن الجميع يعرف أن تجاهل القمة سيكون أصعب من قبولها.. أضواء القاعة يجعل الحضور كأنهم داخل حلمٍ جماعي.. قد تبدو كل القمم متشابهة في الظاهر، لكنها تختلف فيما ترسخه في الذاكرة وعلى الأرض.. المقررات قد تتجاهلها الأخبار، لاحقًا، لكنها ستبقى مرجعية، في وجدان من عاشوا اللحظات التاريخية.
قمة «شرم الشيخ للسلام» تقطع الطريق على جشعٍ إسرائيلي، تعيد التذكير بدور مصر العائد بتاريخها الرائد، كجسرٍ بين الحرب والسلام، بين الفوضى والنظام. تنظر للسماء فتبدو كمرآة للأرض.
لا تعرف أيهما ينعكس على الآخر.. نحن أيضًا انعكاس لهذا المشهد، نتحرك بين الضوء والشفافية، بين ما نقوله لأنفسنا وما نقوله للعالم.. لا ننتظر المعجزات.. نعرف أن العالم لا يتغير في مؤتمر، لكنه يبدأ بالتفاهم، بالجلوس على المائدة نفسها، الجلوس في حد ذاته انتصار على الفوضى.
نعم، في العيون لمعة أمل مترددة، لكننا نعرف أن شيئًا تحرّك فعلًا، صارت المدينة قلبًا مؤقتًا للعالم. الوجوه المتوافدة على المدينة تعكس تعب العالم كله.. كلٌّ منهم جاء وفي داخله حرب صغيرة يريد وقفها لدى معظمهم رغبة نسبية في التوقف عن الدوران. لا أحد يستعجل.. الوجوه التي كانت مشدودة في البداية أصبحت أكثر هدوءًا.
الكلمات صارت أبطأ، وربما أصدق.
كل طرفٍ يتحدث كمن اكتشف أن اللغة وسيلة للبقاء المشترك على الكوكب الضيق. بعض الحذر انكسر وبعض المسافات اقتربت في اللغة يُعرف ذلك ببداية التفاهم. كل شيء هنا يحمل معنى مزدوجًا. الكلمة العابرة تُحدث فرقًا، والابتسامة المترددة قد تغيّر موقفًا.
التفاصيل الصغيرة تصنع التوازن الكبير، توحي بذلك نظرة عابرة بين زعيمين، تحية عابرة بين خصمين قديمين، ورقة تُدفع بهدوء، ابتسامة تمر كوميض.. في زجاجة مياه على منصة الاجتماع، هذه العلامات أهم مما يُقرأ من بيانات رسمية أمام الكاميرات وعلى شاشات الفضائيات.. الكواليس دائمًا أصدق من التصريحات.
نعم، العالم لا يمكن إصلاحه بالكلمات، لكنها ضرورية للتعبير. أجمعت الكلمات والبيانات على دعم الاتفاق بوصفه نقطة انطلاق لا نهاية، مؤكدة ضرورة تثبيت وقف النار، واستكمال تبادل الأسرى، وبدء إعادة إعمار غزة، تمهيدًا لمسار سياسي جديد تتصدره «خطة ترامب» للتسوية.
غير أن روح القمة بدت أعمق من عناوينها، إذ بدا أن مصر تستعيد دورها التاريخي كضامن للتوازن الإقليمي، وكسندٍ للقضية الفلسطينية في أكثر مراحلها قسوة.
في البيان الختامي، جاء الصوت المصري واضحًا: «السلام ليس ورقة تُوقَّع، بل مسار تُصان جذوره بالعدالة».
فقد شددت القاهرة على التزامها بحل الدولتين، وعلى حق الفلسطينيين في دولتهم المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967.
كانت القمة، في جوهرها، محاولة لبعث الأمل في شرق أوسط أنهكته الحروب، ولإعادة الاعتبار لفكرة أن السلام، مهما تأخر، يبقى الخيار الوحيد الممكن.
شرم الشيخ اعتادت استقبال لحظات التحول الكبرى في الشرق الأوسط، اجتمع قادة العالم بدعوة مصرية-أمريكية، في قمة «نهاية الحرب وبداية التسوية».
الرئيسان المصري والأمريكي محاطان برؤساء وممثلي أكثر من ثلاثين دولة، من آسيا إلى أوروبا والعالم العربي، يحاولون إنقاذ الشرعية الدولية من ركام غزة، لإعادة تعريف مفهوم السلام في زمنٍ لم يعد فيه السلام مجرد غيابٍ للقتال، بل اختبارًا لقدرة العالم على حماية إنسانيته.
البيان الختامي ينتهي بارتياحٍ غامض يشبه نهاية عاصفةٍ بعيدة. في الخارج تعود الطيور إلى سمائها. البحر يستعيد لونه الأول. سيارات تتحرك ببطءٍ نحو المطار، الطائرات تقلع، وصوتها يبتعد ثم يختفي، تاركًا خلفه سكونًا كثيفًا.. تحمل معها وجوهًا ستتحدث عن هذا المكان طويلًا، دون أن تعرف أنها تركت فيه شيئًا منها.
القمم لا تغيّر الخرائط، لكنها تترك أثرًا في النفوس، كل اتفاقٍ يولد من رحم خلاف، وكل خلافٍ يحمل في عمقه رغبةً دفينة في التفاهم. الحوار ما زال ممكنًا. مصر شريكة في لحظة إنسانية نادرة. لحظة وعي جمعي بأن العالم هشّ لكنه قابل للترميم.
في المقاهي القريبة من مقر القمة في شرم الشيخ، يتحدث الناس عن الرحلات، عن الأسماء التي مرّت من هنا، عن الصور التي ملأت الشاشات. المدينة تعود إلى طبيعتها الأولى. تبدو المدينة بعد المغيب كمن أنهى صلاةً طويلة. صمتها يملأ الفضاء، لكنه ليس صمتًا فارغًا، بل صمت من أدّى واجبه وعاد إلى نفسه.
أن يجتمع المختلفون في مكان واحد دون خروج عن السيطرة.. في مصر نؤمن بأن العالم يمكن أن يتغير فعلًا إذا أحسن الإصغاء، لكن الإصغاء نفسه أصبح عملة نادرة. شرم الشيخ لا تحتفل بما تم على أرضها لأنها تعرف قيمة الهدوء أكثر من الزينة.
الصمت لغة الدبلوماسية حين تنضج. كل صمت فيها يحمل جملة مؤجلة. أنا لا أكتب ما أراه لوصف الحدث، بل لحفظ الإحساس بأن مصر تفاوض من موقع الحكمة، وأن القوة الحقيقية في جمع الآخرين لا إخضاعهم.
المكان يبتسم في داخله، الأمواج تلمع تحت القمر، كأنها تكتب بيانها الخاص. والبحر يغفو على كتف الشاطئ. في السماء، النجوم كأنها مقاعد دائرية تحيط بالكوكب.
تفكّر البشر بأنهم ليسوا إلا مجلسًا صغيرًا لإدارة الكون الواسع، وأن «ثلثي مجلس إدارته» جلسوا هنا في شرم الشيخ. اجتماع المختلفين تحت سقفٍ واحد يجدد التذكير بأن الكوكب لا يزال يملك فرصة ثانية.
اقرأ أيضاً
قمة شرم الشيخ 2025.. مصر تُعيد ترتيب أوراق المنطقة وتُنهي الحرب في غزةقمة شرم الشيخ تُنعش الآمال بعودة حركة الملاحة لطبيعتها في قناة السويس
0 تعليق