نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الصراع السوري المجمّد: لماذا تبقى موافقة أنقرة شرطاً لكل اتفاق؟ - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 05:59 صباحاً
تواصل نيوز - بالتوازي مع الزخم الذي اكتسبته المفاوضات بين قوات سوريا الديموقراطية (قسد) ودمشق بدفعٍ أميركي، شهدت أنقرة حراكاً سياسياً وأمنياً نشطاً خلال الأيام الماضية، تمثّل بزيارتين متتاليتين، وبفاصلٍ زمنيّ قصير، لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، رافقه في الثانية كلٌّ من وزيري الدفاع ورئيس المخابرات.
ورغم الأجواء الإيجابية التي انعكست في وسائل الإعلام، فإنّ الإدارة الذاتية وأجنحتها السياسية والعسكرية تتابع بالكثير من الحذر الموقف التركي، الذي تعتبره حاسماً في نجاح أيّ مبادرة.
اتفاقات شفهية تمهّد لتسوية حذرة
على مدى يومين، أكّد قائد "قسد" الجنرال مظلوم عبدي التوصّل إلى "اتفاقات شفهية" بالخطوط العامة للملفات العالقة بين الجانبين، في محاولة لخفض التوتر الذي سبق لقاءه بالرئيس السوري أحمد الشرع ووزرائه الثلاثاء الماضي.
حاول عبدي، سواء من خلال كلمته في ذكرى تأسيس قوات محاربة الإرهاب أم في اللقاء المصوّر مع قناة "روناهي" المحلية الناطقة باللغة الكردية، تطمين واشنطن الساعية إلى عقد الصفقة السورية كخطوة لاحقة لاتفاق غزة "التاريخي"، حسب وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ورغم عدم وضوح الاستراتيجية الأميركية في سوريا على المدى الطويل، فإنّ أولويات واشنطن حيالها يمكن تلخيصها بنقطتين رئيسيّتين: دمج "قسد" في الجيش السوري، وسحب فتيل أيّ توترٍ مستقبليّ قد يؤدي إلى تجدّد العنف في البلاد، وإتمام اتفاق الجنوب السوري المنصوص عليه في لقاء عمّان، كخطوةٍ تمهيدية للمضي قدماً في الاتفاق السوري - الإسرائيلي.
قائد قدس الجنرال مظلوم عبدي. (وكالات)
وفي حين تهدف النقطة الثانية إلى تبديد مخاوف تل أبيب بشأن الجبهة السورية، وتفتح المجال أمامها للوصول إلى الأجواء الإيرانية عبر العراق مروراً بالجنوب السوري، فإنّ الخطوة الأولى، الموجّهة لإزاحة شكوك أنقرة، الحليفة الأقوى في الناتو والشريكة في إقناع "حماس" بالموافقة على خطة ترامب حيال غزة، يمكن أن تشكّل مدخلاً لمصالحة تركية - إسرائيلية خلال الأشهر المقبلة.
تعاملت تركيا مع الرئيس الأميركي بلغة الصفقات، التي يحبّها ويتبنّاها كنهج سياسي، عبر مجموعة من التفاهمات التي سبقت أو تخللت زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى البيت الأبيض، أبرزها:
- شراء الغاز الأميركي المسال لمدة 20 عاماً، والتعهّد بخفض الاعتماد على الغاز الروسي تدريجياً، رغم كون قيمة مبيع الأخير أقلّ بكثيرٍ من نظيره الأميركي.
- اقتناء طائرات "بوينغ" لصالح الخطوط الجوية التركية، على الرغم من محاولات شراء مقاتلات "يوروفايتر" الأوروبية التي تشارك في تصنيعها شركة "إيرباص".
- منح واشنطن امتياز استخراج واستخدام المعادن النادرة في الأرض التركية، رغم توقيع مذكرة تفاهمٍ سابقة مع الطرف الصيني.
يُضاف إلى كلّ ما سبق تأكيد الرئيس الأميركي على جهود نظيره التركي في إقناع "حماس" بالموافقة على خطة ترامب بشأن غزة.
مقابل كلّ ذلك، تتوقّع أنقرة من ترامب الضغط من أجل طيّ ملفّ مصرف "هالك" الحكومي بأقلّ العقوبات المالية الممكنة، ورفع عقوبات "كاتسا"، والأهمّ منهما: حلّ الملف السوري بما يخدم مصالحها ورؤيتها لـ"الأمن القومي التركي".
لا اتفاق في سوريا من دون موافقة تركية
من جهتها، تدرك قوات سوريا الديموقراطية أهمية "الانسجام" السائد بين أردوغان وترامب، وجنوح الأخير لمبدأ التجارة والربح المتبادل، خصوصاً في ظلّ الميول الواضحة للديبلوماسية الأميركية نحو طروحات أنقرة الخاصة بـ"قسد" ودعم الشرع، مقابل تحفّظ المؤسسة العسكرية المتمثلة بالقيادة المركزية "سينتكوم" القريبة من "قسد".
تجاوبت "قسد" مع جهود مبعوث ترامب إلى سوريا توم برّاك لتحريك المياه الراكدة على خطّ الحسكة - دمشق، وأبدت انفتاحاً كبيراً على التوصّل إلى تسويةٍ شاملة مع الحكومة السورية، تفادياً لإثارة ردود فعل الرئيس الأميركي عند ظهورها بصورة المعرقل للحلّ في سوريا.
ورغم الحديث بإيجابية عن الحلول المطروحة، فإنّ قائد "قسد" أكّد بشكل واضح ضرورة موافقة تركيا على أيّ صيغة للحلّ في سوريا، قائلاً في مقابلته الأخيرة إنّه "بدون تركيا لا يمكن الوصول إلى اتفاق في سوريا".
ينصّ "الاتفاق الشفهي" بين الإدارة الذاتية ودمشق على إدراج "قسد" وقوات "الأسايش" (الشرطة) ضمن هيكلية وزارة الدفاع السورية كفرقٍ مستقلة (فرقتان أو ثلاث تتوزع على ألوية حسب المصادر الكردية) بمسمّيات متوافقة مع هيكلية الجيش السوري، على أن تحتفظ بالمستوى القيادي والإداري الخاص بها ومناطق مهامها الجغرافية، مع إمكانية مشاركة قوات مكافحة الإرهاب في مهمات خارج نطاق مناطق سيطرة "الإدارة الذاتية".
في المقابل، فإنّ الملفات الأخرى العالقة، والمتضمّنة شكل نظام الحكم والتعديلات الدستورية والتقسيمات الإدارية، لا تزال مواضيع خلافية لا يبدو تجاوزها ممكناً في المدى القريب، عدا ملفّ تقاسم العائدات النفطية، الذي تولي له واشنطن أهميةً بالغة كحلّ لتفادي الانهيار الاقتصادي لسلطة دمشق.
واشنطن وتركيا ودمشق: تسوية ثلاثية بشروط متضاربة
الزيارتان السوريتان إلى تركيا خلال أقلّ من أسبوع، واللتان أعقبتا اجتماعات الإدارة الذاتية مع دمشق بشكلٍ مباشر، تشيران إلى الثقل التركي في الملف السوري، وتؤكدان طرح "قسد" بكون "الكلمة الفصل في الملف لأنقرة".
يتّهم الإعلام التابع أو المقرّب من الإدارة الذاتية أنقرة بعرقلة التوافقات مع دمشق، ويشير إلى فصائل "الجيش الوطني" التابعة لها كمصدر للاستفزازات النارية التي تتحول أحياناً إلى تصعيد ميداني، كالذي شهده حيّ الشيخ مقصود والأشرفية ذات الأغلبية الكردية في حلب، الأسبوع الماضي.
يشير مصدر مقرّب من "الإدارة الذاتية" إلى "الاستفزازات التي لا تزال مستمرة في جبهات حلب رغم الإعلان عن وقف لإطلاق النار، حيث لا تزال الحواجز العسكرية التابعة لدمشق تمنع دخول المحروقات وتضيّق على دخول المواد الغذائية".
ويقول المصدر، مشترطاً عدم الكشف عن اسمه في حديثه مع "النهار": "هناك الكثير من الضغوط على دمشق من الجانب التركي، والدليل على ذلك هو الاختلاف في لغة مسؤولي الحكومة السورية في التصريحات العامة مقارنة مع الجوّ السائد خلال اللقاءات".
ويضيف: "لكن، ليس كلّ إخلال في الاتفاق مردّه الضغط التركي. دمشق تستخدم هذه الورقة للتنصّل من بعض الاتفاقات، قائلةً: اذهبوا وأقنعوا أنقرة ونحن موافقون".
يستمرّ التعقيد في المشهد السوري، إذ تتقاطع مصالح اللاعبين الإقليميين والدوليين عند عقدة مستقبل العلاقة بين "قسد" ودمشق، ودور أنقرة في رسم ملامح الحلّ النهائي.
وبينما تسعى واشنطن لتثبيت "تسوية محسوبة" تحفظ نفوذها وتضمن أمن حلفائها، تعمل تركيا على توظيف اللحظة السياسية الراهنة لإعادة صياغة المعادلة السورية بما يتناسب مع مفهومها للأمن القومي.
في المقابل، تحاول دمشق استثمار الانفتاح الأميركي–التركي لتثبيت سيادتها من دون تقديم تنازلات جوهرية للإدارة الذاتية.
ومع غياب الثقة المتبادلة، وارتباط كلّ طرف بحسابات متشابكة تتجاوز الجغرافيا السورية، يبدو أنّ أيّ اتفاق نهائي سيبقى رهين التفاهمات الإقليمية الكبرى، التي تتعدّى حدود الحسكة ودمشق، لتشمل أنقرة وواشنطن وتل أبيب على حدّ سواء.
0 تعليق