ما جرى في الكنيست الإسرائيلي كان انفجاراً للغرور، واحتفالاً بالبغضاء، ومشهداً لتوحّشٍ فقد كلَّ ما تبقّى له من عقلٍ أو خجل. كان المكان يغلي بالكراهية، يفيضُ بعنصريةٍ تستحي منها العصور المظلمة، وتتصاغر أمامها كلُّ خطيئةٍ عرفها التاريخ. لم تكن تلك خطباً تُلقى، بل رصاصاتٍ لفظية تُطلق على الضمير الإنساني، تصيب السمع قبل القلب، وتُدمي اللغة قبل الوجدان.

رأيناهم يتحدّثون عن الأمن وهم صنّاع الخوف، ويهتفون للسلام بأصواتٍ ملوّثةٍ بدم الأبرياء، ويتشدّقون بالقانون وهم أوّل من داسه وسحق معانيه. أيُّ عبثٍ هذا الذي يجعل من القاتل واعظاً، ومن المجرم حاملاً لراية العدالة؟! لقد بدت القاعة كأنها مسرحٌ للجنون، تتراقص فيه الكلمات على أنغام التصفيق الزائف، بينما الحقيقة تُنحر بصمتٍ في زاويةٍ مظلمة.

تحدّثوا وكأنهم أرباب الأرض، يوزّعون الحياة والموت كما يشاؤون، كأنّ التاريخ صفحةٌ يكتبونها وحدهم، وكأنّ فلسطين مجرّد فكرةٍ عابرة في وهمٍ جماعيٍّ صنعوه بأكاذيبهم. كانت كلماتهم كالسكاكين، تُمزّق وجه الحقيقة، وتُحيلها إلى رمادٍ في مهبّ الغطرسة. رأينا الغرور حين يتكلّم بلسان الديمقراطية، والاحتلال حين يتزيّا بثوب القانون، والظلم حين يرتدي ربطة عنق ويتحدّث عن السلام.

أيّ عقلٍ هذا الذي يظنّ أن القتل بطولة، وأنّ الدم برهانٌ على النقاء، وأنّ الباطل يمكن أن يُغطّى بشعاراتٍ من ورق؟ لقد سقطت الأقنعة جميعها، وتعرّى الكيان أمام العالم، فإذا هو كومةُ حقدٍ تمشي على قدمين، ووهمٌ يصرخ في الفراغ طالباً اعترافاً لا يستحقّه. ما قيل بالأمس كان وثيقةَ إدانةٍ أخلاقيةٍ نُقشت على مسامع البشر، تُعلن أنّ هذا الكيان لم يعد يعرف سوى لغة القوّة والعنصرية والتبرير.

الكنيست بالأمس لم يكن منبراً بل مرآةً عاكسةً لوجهٍ يزداد قبحاً كلّما حاول التجمّل، وجرحاً ينزف كلّما تحدث باسم الإنسانية. هناك، انكشفت إسرائيل كما هي: كيانٌ يقتات على الدم، يتنفّس الكراهية، ويعيش على أنقاض القيم. لم يتحدثوا عن مستقبل، بل عن ماضٍ يعيد نفسه بإصرارٍ أعمى، ولم يُسمِعوا العالم صوتَ دولة، بل صدى وحشٍ يختنق بتاريخه.

سيكتب التاريخ أنّ ذلك اليوم كان يوماً في سجلّ سقوطٍ أخلاقيٍّ مروّع؛ يومٌ تجلّى فيه الحقد في أبهى مظاهره، وتكلّم الجنون بلسان السياسة، وبدت الحقيقة عاريةً أمام أعين العالم. سيقول التاريخ: إنّ الكنيست في ذلك اليوم شرّع الحقد، ولم يتحدّث عن سلام… بل أعلن الحرب على الإنسان نفسه.