الميمز من ظاهرة ترفيهية إلى بنية إعلامية وثقافية جديدة - تواصل نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الميمز من ظاهرة ترفيهية إلى بنية إعلامية وثقافية جديدة - تواصل نيوز, اليوم الاثنين 1 ديسمبر 2025 08:03 صباحاً

أصبحت المميز لغة كاملة للتواصل الثقافي وصناعة الرأي العام، ولم تعد مجرد مادة للسخرية في صفحات التواصل الاجتماعي، ويظهر هذا من خلال كتاب The Meme Machine للباحثة سوزان بلاكمور التي تشير إلى أن الميم ليس مجرد صورة أو عبارة بل وحدة ثقافية تتكاثر وتنتشر بالطريقة نفسها التي تنتشر بها الجينات الاجتماعية، وتُعاد صياغتها وفق البيئة التي تعيش فيها. كما تؤكد دراسة بعنوان From Joke to Journalism: The Evolution of Memes in Mass Communication أن الميم أصبح جزءًا من منظومة الاتصال الجماهيري، يُستخدم للتأثير في المواقف العامة وصياغة اتجاهات النقاش، بل يُنظر إليه اليوم بوصفه صيغة صحفية سريعة تؤدي وظائف المقال أو التقرير ولكن بقدرة أعلى على الانتشار والاختزال. وقد أصبح الميم في وقتنا الحالي قادر على اختزال فكرة معقدة في جملة وصورة واحدة، وعلى توحيد الإدراك الجماعي حول حدث أو فكرة أو موقف.

من صفحات ساخرة إلى منصات إعلامية وصناعة كاملة

مع تضخم تأثير الميمز، تحولت حسابات كانت تُدار كهواية إلى شبكات إعلامية تنتج محتوى طويلًا، وبرامج صوتية ومرئية، وفعاليات حية. وتشير دراسة The Power of Meme-Based Marketing إلى أن الميم أصبح أساسًا لنموذج تجاري متكامل لأنه يجمع بين “السرعة والثقافة والفكاهة والتكلفة المنخفضة والقدرة على جذب الانتباه”.

وفي دراسة أخرى بعنوان Memes as Marketing، يُظهر الباحثون كيف انتقل صانعو الميمز من مجرد ناشرين إلى لاعبين في صناعة الإعلام، قادرين على منافسة الوسائل التقليدية في نشر الأفكار وصياغة السرديات العامة، بل وعلى تحويل الميم نفسه إلى علامة تجارية أو منتج ثقافي مستقل.

وهنا يأتي السؤال، لماذا نجحت الميمز بهذا الشكل؟ إن قوة انتشار الميمز لا تعتمد على العشوائية أو الصدفة، بل على آلية تقوم على “عدوى ثقافية” تنتقل فيها الفكرة من شخص لآخر عبر المشاركة والتحوير وإعادة التفسير. فالميم لا ينتشر بطريقة خطيّة، بل يتحرك في موجات متتالية يقودها التفاعل الجماعي، وكل نسخة جديدة منه تعيد بناء المعنى بما يتناسب مع السياق والذائقة العامة للجمهور. وهذه المرونة تجعل الميم وسيلة أكثر فعالية من المحتوى التقليدي، لأنه قابل لإعادة التشكيل والنشر والتمدد داخل الثقافة الرقمية.

كما أن المحتوى الذي يوظّف الميم يتمتع عادة بفرصة أعلى للتفاعل، ليس فقط لأنه مضحك أو خفيف، بل لأنه قادر على لمس الحسّ المشترك وتقديم الفكرة بطريقة أقرب وأسرع. ومع ذلك، لا يصلح هذا الأسلوب لكل الرسائل أو الموضوعات؛ فالدخول بخفة الميم إلى سياقات جادة أو حسّاسة قد يؤدي إلى نتائج عكسية أو إلى تفسير سلبي للمضمون، مما يجعل توظيف الميم فنًا يتطلب فهمًا للثقافة والمشهد الاجتماعي ولحظة التداول.

تأثير الميمز على الجيل Z

وعند الحديث عن تأثير المميز وانتشارها، لا يجب علينا ان ننسى الجيل Z، فهذه الفئة العمرية التي نشأت في بيئة رقمية سريعة الإيقاع، أصبحت الميمز جزءًا من لغتها اليومية ومن أدواتها في التعبير عن الذات. فالميم بالنسبة لهذا الجيل ليس مجرد محتوى للضحك، بل وسيلة للتعاطف والتواصل والمشاركة وصياغة المواقف. كما أسهمت الميمز في تشكيل تصوّر الجيل Z للعلامات التجارية والمنتجات والقضايا الاجتماعية، لأنها ترتبط بثقافة حياتهم اليومية، وتسمح لهم بإعادة إنتاج المحتوى والتفاعل معه بطريقة شخصية. وهكذا تحوّلت الميمز إلى أداة ذات تأثير نفسي وثقافي في سلوك هذا الجيل، تُسهم في صنع الانتماء وتكوين رأي جماعي وإنتاج سرديات جديدة حول الأفكار والأحداث والمنتجات.

ويشير بحث سعودي بعنوان المشاركة الرقمية لميمات الإنترنت بين الأجيال المختلفة في المملكة العربية السعودية إلى أن الميمز أصبحت “ظاهرة اجتماعية واسعة الانتشار في الوطن العربي”، وأن التفاعل معها لا يقتصر على جيل محدد، بل يتداخل بين الشباب والراشدين وحتى الفئات الأكبر سنًا. هذا يعني أن الميم أصبح جزءًا من المشهد الثقافي العربي، يُستخدم للتعليق على الواقع، وتفريغ الاحتقان الاجتماعي، وصياغة مواقف مشتركة، بل ولتشكيل ذاكرة جماعية حول الأحداث.

كيف سيبدو المستقبل؟

مع دخولالذكاء الاصطناعي إلى كل مستويات إنتاج المحتوى، أصبح سؤال “مستقبل الميمز” أكثر تعقيدًا. هل ستختفي الميمز؟ أم ستتطور؟ وهل سيستبدل الذكاء الاصطناعي روح الفكاهة والخيال البشري؟

ففي دراسة حديثة بعنوان One Does Not Simply Meme Alone تذكر نصًا أن “الميمز التي أنشأها الذكاء الاصطناعي تفوّقت على المتوسط العام للميمز البشرية من حيث الفكاهة والمشاركة”. وفي دراسة أخرى نشرت عام 2025، وجد الباحثون أن “ميمز الذكاء الاصطناعي مرحة في المتوسط، وربما أكثر قابلية للمشاركة من الميمز التي ينتجها البشر”. وتشير هذه النتائج إلى أن الذكاء الاصطناعي سيجعل إنتاج الميمز أسرع وأكثر كثافة، وأن صناع المحتوى سيستفيدون منه في تسريع الإبداع وتوسيع الانتشار.

لكن هل تفهم الآلة روح الميم؟

على الجانب الآخر من الصورة، يبقى هناك سؤال أكثر عمقًا: هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يفهم “الروح” التي يولد منها الميم؟ فالآلات قادرة على توليد الصور والنصوص، لكنها لا تزال تواجه صعوبة في إدراك ما يجعل الميم مؤثرًا فعلًا: السياق الاجتماعي، السخرية، الحسّ الفكاهي، والبعد الثقافي. فالميم في جوهره ليس مجرد صورة تُرفق بعبارة، بل لحظة إنسانية مشتركة، أو تعبير عن موقف جماعي أو قراءة ساخرة للمشهد.

وفي المقابل، نشهد تحولًا جديدًا تقوده الأجيال الشابة، خاصة الجيل Z، الذي بدأ يستخدم أدوات الذكاء الاصطناعي لصناعة ميمز تعليمية وثقافية، لتصبح بذلك وسيلة للتفسير والتحليل والسرد ليس فقط للترفية أو الضحك.

ورغم هذا التحول الإيجابي، تظهر أيضًا مخاطر واضحة. فالتطور السريع في أدوات إنتاج الميمز قد يسهل نشر محتوى مضلل أو ينقل رسائل عدائية أو سياسية تحت غطاء الفكاهة. وعندما يصبح بإمكان أي شخص — أو أي برنامج — توليد ميم في ثوانٍ، يصبح التحدي الأكبر هو الحفاظ على الأصالة والوعي النقدي، والتمييز بين الميم الذي يعبر عن رأي أو رؤية صادقة، والميم الذي يُستخدم كأداة للتلاعب أو التضليل. وهذا يضع مسؤولية أكبر على الجمهور في تحليل المحتوى، وفهم ما وراء الرسالة، وعدم التعامل مع الميم بوصفه مجرد نكتة عابرة.

الميمز لن تختفي بل ستتغيّر

تتفق الأبحاث على أن الميمز لن تزول في عصر الذكاء الاصطناعي، لكنها ستتحول إلى أشكال جديدة، أكثر سرعة وتنوعًا وتداخلاً بين الإنسان والآلة. ستصبح الميم جزءًا من صناعة إعلامية تنمو بسرعة، مدفوعة بنماذج اقتصادية جديدة، وبجمهور شاب يعتبر الميم وسيلة للتعلم والنقد والتعبير عن الهوية. ومع ذلك، ستظل الميمز التي تحمل حسًّا إنسانيًا وفكاهة مرتبطة بالواقع هي الأكثر تأثيرًا، لأن جوهر الميم في النهاية ليس تقنية ولا صورة، بل فهم جماعي للحظة، وروح ثقافية يصعب استنساخها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق