نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
معجزة الأسرى في غزة: حين هزم الإيمان والولاء الإستخبارات والتكنولوجيا #عاجل - صحيفة تواصل, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 05:36 مساءً
اللواء المتقاعد د. موسى العجلوني -
في حدثٍ استثنائي بكل المقاييس، أتمّت المقاومة الفلسطينية تسليم الأسرى الإسرائيليين الإثنين بعد اتفاقية وقف الحرب على غزة التي وُقّعت برعاية أمريكية وعربية ودولية، لتطوي بذلك فصلاً دام 740 يوماً من التحدي الذي حيّر أجهزة الاستخبارات في العالم وفي مقدمتها الإجهزة الصهيوامريكية ذات التقنية والخبرات العالية جدا. هذه ليست مجرّد صفقة تبادل، بل شهادةٌ حيّة على ما يمكن أن تصنعه القيادة الوطنية المخلصة والإرادة المؤمنة والعقل المنظَّم والولاء المطلق لقضية عادلة حين تتحد جميعها في مواجهة آلةٍ عسكريةٍ واستخباريةٍ وتكنولوجية هي الأضخم في الشرق الأوسط والعالم.
منذ بداية طوفان الأقصى المبارك، دوّنت المقاومة ومن خلفها الشعب في غزة واحدةً من أعظم معجزات التاريخ الحديث: قدرتها على الثبات والصمود وإخفاء الأسرى الصهاينة طوال 735 يوماً في مساحةٍ لا تتجاوز 360 كيلومتراً مربعاً كان جيش الكيان قبل انسحابه الأخير يحتل ويسيطر على 83% من هذه المساحة، في وقتٍ كانت فيه كل أجهزة استخبارات العالم — الأميركية والصهيونية والغربية — تبحث عنهم ليل نهار، مستخدمةً كل وسائل الرصد الممكنة: أقمارٌ صناعية، تصويرٌ حراري، أنظمة استشعارٍ عن بعد متطورة، طائراتٌ مسيّرة، وحداتُ كوماندوز، جواسيس، وذكاءٌ اصطناعيٌّ مسخّر لتتبع كل حركةٍ ونبضةٍ في غزة. ومع ذلك، لم تصل دولة الإحتلال إلى معلومةٍ واحدةٍ صحيحة عن مواقع الأسرى او عن اوضاعهم، رغم كل الإغراءات المالية، ومنها عرضٌ بلغ خمسة ملايين دولار لمن يدلي بأي معلومةٍ عن أحدهم.
تخيّل أن معلومةً واحدةً عن موقع أسيرٍ من مجاهدٍ أو مدني انهكته الحرب يمكن أن تُباع بهذا المبلغ الضخم، في زمنٍ من أقسى الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يمكن ان يعاني منها شعب بأكمله في العالم، ومع ذلك لم تُغْرِ هذه الملايين أحداً من أبناء غزة لأنهم جميعاً أدركوا أن القضية ليست صفقةً ولا ثمناً، بل أمانةٌ وعقيدةٌ لا تُقدَّر بمال بل قضية وطن تبذل له الأرواح وكل اموال ومتاع الدنيا. حتى رئيس الموساد الصهيوني قال بمرارةٍ على الهواء: "لو كان هذا العرض لشعبٍ آخر لبلّغ أحدهم حتى عن أبيه أو أخيه او أعز أصدقائه!" لكنهم واجهوا شعباً آخر، لا تُشبه معاييره مقاييس الدنيا، ولا تُقاس ولاءاته بالمال، بل بالإيمان والصبر والثبات.
وقد لخّص الناطق الرسمي للمقاومة أبو عبيدة هذا اليقين حين وجّه خطابه قبل اشهر خلت للعدو قائلاً: "لن تصلوا إلى أسراكم إلا بموافقتنا، ولو بحثتم عنهم في كل حبة رملٍ من رمال غزة". وكان صادقا كم هو الحال في كل تصريحاته؛ فقد بحثوا في كل رملٍ وحجر ورمضاءٍ وفناء ولم يجدوا شيئاً. لأنهم لم يواجهوا تنظيماً او جيشاعادياً، بل منظومة مقاومة مجتمعية متجذّرة في كل رجل وامرأة وطفل من أهل غزة، خبرتها تمتد لعقودٍ من المقاومة الشاملة والصمود والتحدي، ذات بنيةٍ تحتيةٍ معقّدة وتشابكٍ تنظيمي وعقيدة قتالية تذهل وتربك أجهزة الأمم. منظومةٌ تعرف ماذا تُظهر وماذا تُخفي ومتى تُربك الخصم، وهو يظن أنه يُمسك بالخيوط ويسيطر على البلاد والعباد ويهلك الحرث والنسل.
سبعمائةٍ وخمسةٌ وثلاثين يوماً من التحدي، تُدرَّس لوكالات الإستخبارات في العالم وللأجيال القادمة وكأنها "معجزة القرن": كيف واجهت المقاومة بعقلٍ فلسطيني خالص وبأدواتٍ بسيطةٍ في ظاهرها، كل تلك القوة التكنولوجية العظمى - فانتصر الذكاء الإنساني للمقاومة على الذكاء الصناعي والتكنولوجي والبشري الصهيوامريكي، وانتصر الإيمان على الإغراء، وانتصر التنظيم البسيط على التنظيم المتقدم المعقد.
إن ما تحقق لا يُختزل في الانتصار السياسي أو الاستخباراتي فقط، بل هو نصرٌ أخلاقيٌّ وإنسانيٌّ وتاريخي، أكّد أن الشعوب المؤمنة بحقها وربها قادرة على هزيمة أكثر الأنظمة تفوقاً، متى ما تمسكت بعقيدتها وصدقت مع نفسها وصدق الله العظيم عندما خاطب المؤمنين بقوله في سورة محمد " يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقۡدَامَكُم ". ولو وُجد لهذه المقاومة ظهيرٌ عربي وإسلامي واحد، لربما كُتِب لتاريخ الأمة فصلٌ جديدٌ يبدأ من غزة.
إن تسليم جميع الأسرى للجانب الصهيوني، بعد كل هذا الصمود، ليس تنازلاً بل تتويجٌ لمرحلةٍ من الصمود والثبات والوفاء والولاء، ورسالةٌ للعالم أن الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن العقل المقاوم في غزة بات مدرسةً في التخطيط والانضباط والإيمان.
ختاماً، في زمنٍ تُباع فيه القيم وتشترى، تبقى غزة الاستثناء الذي لا يُشترى ولا يُباع. ربحتم البيع يا أهل غزة الشرفاء… أنتم معجزة وقدوة هذا القرن.
قدمنا لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى هذا المقال : معجزة الأسرى في غزة: حين هزم الإيمان والولاء الإستخبارات والتكنولوجيا #عاجل - صحيفة تواصل, اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 05:36 مساءً
0 تعليق