دينا الحسيني تكتب: أرض الصومال وإعادة تدوير الفوضى في القرن الإفريقي - تواصل نيوز

صوت الامة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
دينا الحسيني تكتب: أرض الصومال وإعادة تدوير الفوضى في القرن الإفريقي - تواصل نيوز, اليوم الاثنين 29 ديسمبر 2025 07:44 مساءً

لم تعد صوماليلاند مجرد كيان غير معترف به دوليا يسعى لتكريس واقع سياسي منفصل، بل تحولت في اللحظة الراهنة إلى إحدى أخطر بؤر التوتر في القرن الإفريقي، وإلى نقطة اشتعال محتملة لتداعيات تتجاوز حدود الصومال لتطال الإقليم بأكمله، فهذه المنطقة، التي تمثل تقاطعا حساسا للمصالح الأمنية والاقتصادية والملاحية الدولية، باتت مرشحة للانفجار في توقيت بالغ الدقة، حيث تمتد آثار أي اضطراب فيها من منابع النيل، مرورا بالبحر الأحمر، وصولا إلى مضيق باب المندب وقناة السويس، بما يضع مصر في قلب معادلة تهديد متعددة المستويات.

المشهد الإقليمي الراهن يكشف عن مسار واضح لإعادة تشكيل القرن الإفريقي، يقوم على إضعاف الدولة الوطنية وتفكيك الكيانات المركزية، وفتح المجال أمام صراعات منخفضة الحدة لكنها ممتدة زمنيا،  هذا النمط من الصراعات لا يبدو عشوائيا، بل يخدم مصالح قوى خارجية ترى في الفوضى أداة أقل كلفة لإدارة النفوذ والسيطرة على الموارد والممرات الاستراتيجية.

وفي هذا السياق، تتحول الكيانات الساعية للانفصال، وعلى رأسها صوماليلاند، إلى أوراق ضغط قابلة للتوظيف، تستخدم لإشعال التوتر وإعادة تدوير عدم الاستقرار، ولم يعد القرن الإفريقي ساحة تنافس تقليدية بين قوى كبرى فحسب، بل أصبح مسرحا مفتوحا لتقاطع مصالح إقليمية ودولية متشابكة، في ظل حضور أمني وعسكري متزايد لقوى تسعى للتموضع قرب أحد أهم الشرايين الملاحية في العالم.

هذا التنافس المحتدم لا يزيد فقط من هشاشة الإقليم، بل ينعكس مباشرة على سياسات دول المنبع، وفي مقدمتها إثيوبيا، التي تستفيد من حالة التفكك المحيطة لتكريس سياسات أحادية تجاه السيطرة على منابع النيل، ومن هنا، يصبح أي تصعيد أمني في الصومال أو صوماليلاند جزءا من ضغط غير مباشر على مصر والسودان، سواء عبر تهديد خطوط الملاحة، أو عبر خلق بيئة إقليمية مضطربة تضعف فرص التوصل إلى تسويات عادلة في ملف سد النهضة.

الخطورة الحقيقية في هذا المشهد لا تقتصر على وجود حركة الشباب المجاهدين، بل تتجاوز ذلك إلى التحول العميق في طبيعة التنظيمات الإرهابية ذاتها، فالإرهاب بشكله التقليدي، الذي كان يعتمد على شعارات دينية مباشرة ويسعى لإقامة كيانات معلنة، تراجع إلى حد كبير، في المقابل، يبرز ما يمكن وصفه بـ«الإرهاب الجديد»، وهو نمط أكثر مرونة وخطورة، لا يرفع رايات دينية واضحة، ولا يعمل وفق أطر أيديولوجية صلبة، بل يتحرك كأداة وظيفية داخل الصراعات المحلية والإثنية، ويدار في كثير من الأحيان كوكيل غير مباشر لقوى تجد في الفوضى المستمرة مصلحة استراتيجية.

في هذا الإطار، تصبح حركة الشباب إحدى أدوات زعزعة الاستقرار القابلة لإعادة التفعيل والتوظيف، بما ينذر بعودة العنف في صورة أكثر تعقيدا وأقل وضوحا، وتكتسب هذه التطورات خطورة مضاعفة عندما تقترب من باب المندب، حيث يتحول التهديد الأمني من شأن إقليمي محدود إلى خطر مباشر على التجارة العالمية وقناة السويس، فزعزعة الاستقرار في هذا الممر الحيوي تمثل أحد أخطر أدوات الضغط غير المباشر على مصر، التي يرتبط أمنها القومي واستقرارها الاقتصادي ارتباطا وثيقا بحرية الملاحة الدولية.

ومن ثم، لا يمكن النظر إلى تنامي نشاط التنظيمات المسلحة في محيط الصومال باعتباره خطرا محليا معزولا، بل كجزء من سيناريو أوسع يستهدف إنهاك الدول المركزية ودفعها إلى حالة دفاع دائم.

 وفي مواجهة هذا المشهد المضطرب، تبرز مصر كنموذج مقلق لمشروعات الفوضى المدارة، فقد نجحت الدولة المصرية، رغم الضغوط الهائلة منذ عام 2011، في الحفاظ على تماسك مؤسساتها وقدرتها على الصمود، وهو ما جعلها هدفا لمحاولات ضغط غير مباشرة تسعى إلى تطويقها إقليميا، سواء عبر القرن الإفريقي، أو عبر البحر الأحمر، أو من خلال توظيف التنظيمات المسلحة كأدوات تهديد عابرة للحدود.

إن ما يجري في صوماليلاند لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي الأشمل، ولا عن محاولات إعادة رسم خرائط النفوذ في إفريقيا والبحر الأحمر، فهو حلقة في سلسلة متكاملة تستهدف إعادة إنتاج الفوضى، وتوظيف الإرهاب بنسخه الجديدة، وتهديد الممرات الملاحية الدولية، والضغط في الملفات الاستراتيجية، وعلى رأسها الأمن المائي، وفي ظل هذا الواقع، يصبح التعامل مع صوماليلاند والقرن الإفريقي والتنظيمات المسلحة باعتبارها ملفا أمنيا واحدا ضرورة ملحة، تتطلب وعيا مبكرا واستراتيجية استباقية قبل أن تتحول التحذيرات إلى واقع مفروض.

في الأخير، لا تكمن خطورة صوماليلاند في وضعها القانوني أو السياسي، بل في موقعها داخل معادلة إقليمية قابلة للاشتعال، فحين تلتقي الفوضى بالإرهاب والممرات الملاحية، تصبح النتائج أكبر من حدود الصومال، وأقرب كثيرا إلى أمن المنطقة بأسرها.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق