نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
"حين تُرك الباب مفتوحاً" - تواصل نيوز, اليوم الاثنين 29 ديسمبر 2025 10:30 صباحاً
محمد سعيد حميد
في قرية جميلة عاش الأخوان سالم وغانم في بيتٍ كبير على أرض واسعة غنية بخيراتها من الفاكهة والخضر، والعيون تتجه نحوها منذ أن غادر الأب إلى جوار ربه.
جلس سالم ذات ليلة تحت مصباح أصفر، يفرد الأوراق، يحرّك الأرقام كما تُحرّك الأحجار على رقعة الشطرنج. بدقّة طوى ورقة، أخفى أخرى، ثم ابتسم.
في الصباح، ناول أخاه الحساب، وترك الابتسامة تعمل وحدها.
حدّق غانم طويلاً في الأرقام. لم يرَ الخلل، لكنه شعر بشيءٍ يشبه شوكة في الحلق.
قال سالم، وهو يعدّل ياقة قميصه:
- اقرأ جيداً.
ومنذ تلك اللحظة، تغيّر صوت البيت.
أبواب الغرف الداخلية تُغلق بعنف، الصحون تتطاير، والطعام يُقاس بالعيون قبل الأيدي.
الأطفال تعلّموا سريعاً.
كلُّ أبٍ همس لأبنائه قبل المنام:
- احذروهم.
فصار الحذر لعبة يومية داخل البيت الكبير.
في الفناء، تتشابك الأيادي على كرة مثقوبة، ومزحة ثقيلة، ويسيل الدم مراراً.
وقف الجيران طويلاً يراقبون، لا يتدخّلون، يحصون الأصوات والوجوه، بدأت الهمسات، وبدأت أحذيتهم تتقدم بهدوء نحو البيت كأنها تعرف الطريق، ولم يدخلوا دفعة واحدة، بل مارسوا أدواراً مختلفة، واحد يأتي في الصباح وآخر في الظهيرة، وثالث في المساء، وآخر في اليوم التالي، وهكذا، وأيديهم لا تخلو من الهدايا.
بهر الأخوان بكرم الجيران وما حملوه إليهما من هدايا ثمينة، من ساعات وأساور، ولعب أطفال.
وظروف بنيّة تنتقل من يدٍ إلى يد، ونقود جديدة، رائحتها فاقعة، كأنها لم تُخلق إلا لهذا الغرض.
فجأة في إحدى الليالي، تغيّر كل شيء.
صوت صراخ، حجر يُقذف، نافذة تنكسر.
رجل يسقط قرب البئر.
حذاء صغير عند الزاوية، فردة واحدة، بلا صاحب.
الأطفال حملوا عصيّاً أطول من أذرعهم، عيونهم متّسعة، لا خوف فيها ولا شجاعة، فقط ارتباك.
وقف الجيران بعيداً، يعدّون.
مع كل صدام، كانت الأوراق تتحرّك.
البيت يُقيَّد.
الأرض تدخل شراكة.
الأسماء تُمحى ببطء.
وفي صباحٍ رمادي، خلت الحارة من الضجيج.
دمٌ جاف على البلاط.
شرفة مكسورة.
وبيتٌ لم يعد يعرف أهله.
جمعهم الجيران في ساحةٍ لم تُغسل بعد.
نُصبت طاولة، كؤوس تلمع فوق آثار الرصاص.
قال كبيرهم، بصوتٍ ناعم وحازم وهو يرتشف القهوة:
- تعبتم… ونحن نكره أن نراكم تتعبون، سنحمل عنكم هذا العبء.
نظر سالم إلى غانم قبل انقضاء مهلة ترك البيت الممنوحة لهما.
لا أوراق في أيديهما، فقط وجهان شاحبان، والأطفال يصفّقون ويلعبون بالكرات التي بين أيديهم غير شاعرين أنها آخر لحظات يلعبون فيها في هذا البيت.
كان التصفيق عالياً، يغطي على صمت من غابوا.
وفي اليوم التالي، لم يتشاجر أحد.

لم يبقَ ما يُختلف عليه.
البيت صار اسماً، والأرض صارت رقماً، والدم صار ذكرى يتجنّبها الجميع.
وعلى الجدار المتشقّق، قرب الباب الذي لم يُغلق يوماً، بقي الدرس واضحاً لمن يجرؤ على النظر:
حين يُترك الباب مفتوحاً، يدخل الكل من دون استئذان، ويرحل أهله.










0 تعليق