حزب الله بين وهم الدعاية وامتحان الدولة! - تواصل نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
حزب الله بين وهم الدعاية وامتحان الدولة! - تواصل نيوز, اليوم الأربعاء 31 ديسمبر 2025 12:13 مساءً


لم يكن الخطاب أعلى من الحقيقة فقط، بل كان بديلاً عنها. وحين تهاوت الوقائع على وقع الحرب الأخيرة والخسائر، انكشفت الفجوة بين ما قيل طوال عقود وما أمكن فعله فعليًا.
بعد أن فتح حزب الله حرب "اسناد غزة" كان أمينه العام السابق السيّد حسن نصرالله يرفع سقف الخطاب إلى حدّه الأقصى. تهديدات مباشرة، معادلات كبرى، حديث عن ردع إقليمي، وتأكيد متكرّر بأن أي توسّع في الحرب سيقابله توسّع أكبر، وبأن الجبهة الجنوبية لن تُقفل إلا بشروط يفرضها حزب الله. يومها، لم يكن الخطاب مجرّد توصيف سياسي، بل حملة دعائية مكتملة العناصر، أعيد تدويرها مرارًا وكأن حزب الله كان يمتلك قدرات حاسمة كفيلة بتغيير موازين الصراع وفرض وقائع جديدة على إسرائيل والمنطقة.

غير أن ما تلا تلك المواقف، خلال الأشهر اللاحقة، كشف بوضوح أن هذه الصورة لم تكن واقعية. فالنتائج الميدانية أظهرت فجوة كبيرة بين الخطاب والقدرة، وبين الوعود والوقائع. ومع توسّع المواجهة، تبيّن أن حزب الله رغم ما راكمه من سلاح ونفوذ وخطاب، لم يكن في الموقع الذي صوّره لجمهوره، وأن ما بُني في أذهان الرأي العام اللبناني، وخصوصًا في بيئته، كان أقرب إلى وهم منظّم منه إلى حقيقة استراتيجية.

هذه الدعاية لم تكن طارئة ولا وليدة اللحظة. فمنذ نشأته، استثمر حزب الله في صناعة صورة فائقة القوّة، تتغذى من الغموض، ومن خطاب "القدرة التي لا تُقاس"، ومن تحويل أي نقاش عقلاني حول الكلفة والمصلحة الوطنية إلى اتهام بالخيانة أو الضعف. وعلى مدى عقود، أراد من هذا الأسلوب استكمال عناصر فرض نفوذ سياسي وأمني واجتماعي داخل بيئته، ودفعها إلى الالتحاق بخيارات لم تكن في يوم من الأيام من مصلحتها، بل في خدمة مشروع إقليمي تقوده إيران في لبنان والمنطقة.

صحيح أن كثيرين في لبنان لم ينخدعوا بهذه الرواية، وقرأوا مبكرًا حدود القوّة وحدود الدور، لكن من واجب من خُدع في المراحل السابقة أن يراجع موقفه اليوم. أما المشكلة الحقيقية، فهي الإصرار، بعد كل ما حدث، على إعادة إنتاج دعاية أخرى، وبنسخة أكثر خطورة عبر الترويج لفكرة أن اقدام الدولة اللبنانية إلى جمع سلاح حزب الله وتنفيذ قرارها السيادي سيؤدي حتمًا إلى حرب أهلية.

هنا بيت القصيد. فالتنظيم الذي عاش عقودًا على الدعاية كغطاء لارتكاباته وعلى أنواعها، يحاول اليوم رغم خساراته الكبرى واغتيال أمينه العام السابق، أن يستكمل الوظيفة نفسها بأدوات أضعف ولكن بأثر تخريبي أشدّ. الأخطر ليس في الخطاب بحدّ ذاته، بل في وجود من لا يزال يصدّق أن هذا التنظيم قادر على الوقوف في وجه دولة تمتلك الشرعيّة والمشروعيّة والقرار، وأنه يستطيع تعطيل تنفيذ قرار حكومي واضح اتُخذ في آب/أغسطس من هذا العام، يقضي ببسط سلطة الدولة وحصريّة السلاح.
لقد وافق حزب الله على اتفاق وقف الأعمال العدائية بين لبنان وإسرائيل، لكنه لم يلتزم به ولا بمضمونه، إذ لم يُفكّك ما تبقّى من سلاحه حتى اليوم. ومع ذلك، يُعيد تسويق الخوف، لا لحماية السلم الأهلي، بل لحماية سلاح نفوذه وسلطته،  سلاح فاقد من الأساس لوظيفته، ولطالما كان عبئًا سياسيًا وأمنيًا على الدولة والمجتمع.

مع بداية عام 2026، المطلوب خطوات جريئة من الدولة ومن رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام للخروج من أسر الدعاية القديمة-الجديدة. لم يعد مقبولًا أن تُدار السياسة بالتردّد، ولا أن يُشلّ القرار السيادي بذريعة "تفادي الأسوأ"، فيما الأسوأ كان وما زال نتيجة مباشرة لهذه الدعاية نفسها.

إذا كان لا بدّ من دعاية في المرحلة المقبلة، فلتكن دعاية تعزّز دور الدولة، وتدعم قرارها، وتعيد الاعتبار لمفهوم السيادة والمؤسسات. أما الاستمرار في مراعاة دعاية حزب الله الحالية، فقد تثبت الوقائع أنها لا تتجاوز الوهم، ولن تنتج سوى خسائر جديدة لم يعد يحتلمها لبنان سواء لناحية تصعيد مرتقب أو خسارة ثقة أصدقاء لبنان المستعدين دائمًا لمساعدته في حال قرّر مساعدة نفسه بجرأة أكبر. قطار حصريّة السلاح انطلق عام 2025، فليُستكمل بجديّة أكبر عام 2026 عبر الدولة اللبنانية التي وحدها تستطيع ضمان أمن كل المكوّنات اللبنانية دون استثناء... فالدولة قادرة!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق