نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
السعودية.. رهان رابح في عصر الذكاء الاصطناعي - تواصل نيوز, اليوم الأحد 23 نوفمبر 2025 05:13 مساءً
تواصل نيوز - حازت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اهتمامًا إعلاميًا دوليًا كبيرًا، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، لما كان لها من خصوصية وتميز وترحيب لم يحظَ به أي زائر آخر للبيت الأبيض من قبل. خاصة أن أداء ولي العهد السعودي أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان مزيجًا من الثقة والندية والحضور القوي، كما كشفت الزيارة عن سياسة المملكة القائمة على بناء علاقة تبادلية تقوم على مصلحة البلدين.
لكن أهم ما أثار ذهني هو توجه السعودية نحو الاستثمار في المستقبل، وهنا أقصد به خطة المملكة لتصبح مركزًا بيانات عملاقًا عالميًا، وهو رهان أراه رابحًا منذ بداية الإعلان عنه.
رؤية المملكة في هذا المجال تتلخص في إدراكها أن الحوسبة أصبحت "نفط المستقبل". قدرات الحوسبة لم تعد مجرد بنية تحتية تقنية، بل أصبحت المورد الأول للاقتصاد العالمي. الدولة التي تمتلك طاقة حوسبة ضخمة تتحول تلقائيًا إلى لاعب رئيسي في اقتصاد الذكاء الاصطناعي، تمامًا كما كانت الدول النفطية مركز قوة في القرن العشرين.
كما أن التحول من مستهلك للتكنولوجيا إلى صانع لبنيتها التحتية، من خلال إنشاء مراكز بيانات محلية، يمنح السعودية سيادة رقمية كاملة. والسيادة هنا تعني عدم الاعتماد على خوادم خارجية تخضع لسياسات دول أخرى، بل أن تصبح المملكة صاحبة قرار في إدارة البيانات الحكومية والخاصة، مما يرفع قدرتها التفاوضية مع الشركات العملاقة.
ومن زاوية أخرى، يحفز إنشاء مراكز البيانات الضخمة المنافسة المباشرة بين المملكة والإمارات وقطر في ملف التكنولوجيا المتقدمة. لكن ما يميز مشروع السعودية هو أنها تتحرك بثقل كبير، مستفيدة من حجم السوق والاستثمارات الرأسمالية الضخمة، وتسابق عمالقة التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على الاستثمار داخل المملكة.
ويعزز من فرص المملكة في هذا المجال شديد الأهمية والربحية أن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي يلتهم كميات هائلة من الكهرباء، في وقت تتوافر فيه الطاقة النفطية والنظيفة كالطاقة الشمسية في السعودية. بخلاف سعيها إلى الدخول في نادي الدول النووية السلمية، كل هذا يجعلها بيئة مثالية لتشغيل مراكز البيانات بكفاءة وتكلفة منخفضة، في وقت تعاني فيه أوروبا والولايات المتحدة من ارتفاع أسعار الطاقة.
نجاح خطة المملكة العربية السعودية في أن تكون مركزًا عملاقًا للبيانات يكسبها نفوذًا سياسيًا عبر التحكم في مسارات البيانات. فمراكز البيانات اليوم تشبه خطوط الملاحة البحرية بالأمس، وبالتالي فإن الدولة التي تستضيف العقد الرقمية الإقليمية تتحكم بشكل غير مباشر في حركة الاقتصاد الرقمي، وتصبح نقطة ارتكاز ضرورية للشركات والمؤسسات الدولية الباحثة عن سحابة مستقرة داخل المنطقة.
هذا بخلاف خلق منظومة اقتصادية متكاملة حول مراكز البيانات، حيث أن القيمة الحقيقية ليست في المبنى نفسه، بل في "الإيكوسيستم" الذي يتشكل حوله. مراكز البيانات تجذب شركات الذكاء الاصطناعي، والأمن السيبراني، وتحليل البيانات، وشركات البرمجيات، ومراكز البحث الجامعية. هذا التجمع يعزز اقتصاد المعرفة وينقل المملكة من اقتصاد الموارد إلى اقتصاد الابتكار.
كما أن الموقع السعودي بين آسيا وأفريقيا وأوروبا يجعلها عقدة مثالية لشبكات الألياف البصرية الدولية. واستضافة مراكز البيانات تفتح الباب أمام مشروع "ممر بيانات" ضخم يربط القارات الثلاث، ويمنح المملكة ميزة جيواقتصادية يصعب تجاوزها.
وعلينا إدراك أن توطين البيانات ليس رفاهية، بل ضرورة، إذ إن وجودها داخل المملكة يحميها من العقوبات، والضغوط السياسية، واختراق القوانين الأجنبية، أو الأزمات العالمية التي قد تعطل الوصول إلى السحابات الخارجية.
السعودية لا تبني مجرد منشآت تقنية؛ هي تبني بنية القوة الاقتصادية والسياسية للقرن الحادي والعشرين. مراكز البيانات العملاقة هي قلب اقتصاد الذكاء الاصطناعي، ومن يمتلك القلب يمتلك إيقاع المستقبل.