الميثولوجيّة الكونيّة في لوحة لبنانيّة - تواصل نيوز

النشرة (لبنان) 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
الميثولوجيّة الكونيّة في لوحة لبنانيّة - تواصل نيوز, اليوم الثلاثاء 25 نوفمبر 2025 10:12 مساءً


غمّست كلير واكد نهرا ريشتها في ألوان الأساطير، ولم تدلّنا على الموسيقى والغناء والرقص والكتابة والمعرفة... لكنّها أخذت عنها صوت العقل الشجيّ، وهي ترفع عقيرة الإبداع بالألوان في لوحتها "رحلة الرموز".

هل تقصّدت كلير أن تدلنا إلى دندنة النفوس، قبل أن ترسمها على قماشة، وقبل أن تتحوّل أرواحاً يغمرها الضجيج وهي تحاول الهرب من إطار مسجونة داخله؟

لعلها نهرا بفنّها هذا، وضعتنا على طريق التفكّر في ميثولوجية الكون منذ بدء التكوين من دون أن تدري. فبتنا نقدّم اعتذارنا، لأنّنا لا نستطيع أن نجري وراء الرموز التي تداخلت في لوحتها. فكلّما نظر شاهد للجمال بتمعّن في اتّجاه هدف كلّ رمز، يضحك الفلاسفة، على اعتبارٍ أنّه يسير خارج الرسم البياني لكلّ ميثولوجية ظاهرة في الرسم، وذلك بسبب حوار الرموز الصامت.

داخل إطار اللوحة أشكال هندسيّة، تمتدّ مقاييسها إلى حضارات وحضارات، ولم تكن الألوان على سجيتها، لأنّ التي دمجتها لم تحاول حساب حجم هذه الأشكال، بل كانت فكراً داخل اللوحة بروحٍ فقط.

ليس علينا التشبيه أيضاً، أن كلير كانت تحاول أن ترتقي إلى جمال الفضاء، حين حنّت فرشاتها إلى ممارسة الفنّ التشكيليّ هروباً من الاستسلام للفلسفة. وعلى الرغم من ذالك كانت أفكارها في حرب شبه منحرفة مع تلك الفرشاة المعتادة على رسم منظر، وليس حضارة أو حضارات. إلّا أنّه لم يكن هناك ضحايا في تلك الحرب، لأنّها حمّلت فرشاتها فكراً وغاية، ولم يكن أحدهما يريد أن يجابه الآخر، وكانت النتيجة "لا غالب ولا مغلوب". وربحت الفرشاة جولة في جميع القارّات، حين أدخلتها الفنّانة في تأويل الحضارات التي انتشرت بواسطة الرموز في فضاء اللّوحة.

انطلقت كلير في تعبيرها من زمن لم تكن نصوص "الفيدا" و"البراهمانا" قد دُوِّنت، فرسمت ألواح طين نُقشت عليها حروفٌ مسماريّة، كألواح ملحمة جلجامش. لم تغرق هذه الألواح في لجج بحر اللوحة، لأنّ "أتونبشم" إله الطوفان، رفض إعطاء الخلود "لجلجامش" بسبب قتله العفريت الأسطوري "خمبابا" حارس غابة الأرز. وبقيت هذه الألواح عاصية على الغرق، لتتناقل فحواها الأجيال، وتأخذ العبرة من خلود أرز لبنان.

أمّا الحروف اليونانيّة فقد ظهرت صورتها منعكسة على الماء، دلالة على ارتقائها في الفضاء الفلسفي، وكأنّ هذه الحروف تضطلع بمهمة تحليل الحقائق المكوِّنة للوجود والذّات النفسانيّة والإيمان. فرمزيّة إنعكاس هذه الحروف على وجه الماء، تعود إلى أسطورة قدموس في بحثه عن أوروب، وإيصال الحروف إلى اليونان على وجه الغمر داخل السفينة الفينيقيّة الظاهرة على يسار الرسم.

لم تكن الحضارة الفرعونيّة بعيدة عن هذا المشهد، فظهرت الإهرامات للدلالة على المظاهر الحيويّة المستمدّة من حكمة الرب في رسم خارطة النجوم التي بُنيت هذه الإهرامات على أساسها. ومفاد الأمر هو تثبيت الذهن حول معطيات سماوية أوحت للأقدمين بفلسفات متعدّدة تقاطعت في أمور كثيرة، بعيدة عن العالم الماديّ، وقد بان وضوح هذه المفاهيم جلياً في اللّوحة.

نقلت كلير واكد نهرا رمزيّة لوحة الخلق للفنّان ميكل أنجلو، من سقف كنيسة سيستينا في حاضرة الفاتيكان، إلى نواة لوحتها. فتقارُب أصبعي الربّ وآدم، من دون أن يتلامسا داخل قلبٍ، دلالة على إعطاء شرارة الحياة. فهل قالت لنا كلير، أنّ دمج الحضارات برموزها، في خلطة عجيبة غريبة بواسطة الأنترنيت الظاهرة علامته في أسفل اللّوحة، كأن تُكتب اللغة العربيّة بأحرف أجنبيّة، خالف رمزيّة لوحة الخلق التي أظهرت العلاقة بين الخالق والمخلوق في أسمى تعبير إنساني؟ فأصبحت اللغات لغة واحدة هجينة، لا تستطيع التعبير عن الإبداع، كما لا تستطيع تفسير ماهية الحضارات. أم أنّ هذه الرحلة الزمنيّة التي خرجت من إطار اللوحة، بدءاً بملحمة جلجامش، قد ربطت بين الحضارات القديمة، ووصلتها بالحضارة الرقميّة الآنيّة التي تعطي أبعاداً معرفيّة جديدة، كامتدادٍ لتطوير المعرفة علماً وفلسفة؟ 

الأفكار ليست سخيفة عندما لا يكون لها ملامح رسمتها فرشاة فنّانة، فكانت دهشة للرائي! فلماذا الدهشة ليست دائماً قُبل العيون للرسم الجميل، بل أحياناً تكون انغماساً في صراع الحضارات؟ 

أخبار ذات صلة

0 تعليق